تريّثت وقد أرهفت السمع ، فلم يكن من صوت سوى ارتطام الموج على جانب الماعونة. كان يرتطم بانتظام، بإيقاع موزون، وكان البحر من حولنا بنفسجيًا ساكنًا، يترنّم بأغنيته الدائمة، الحلوة، وقد نام الموج، ونامت النوارس، ونامت المدينة، وبحارة السفينة، ولم تبق سوى الأضواء البعيدة، في الشوارع والقلعة وحوض المرفأ، وسوى النجوم الملتمعة كعيون القطط في الظلمة، قابعة فوق، في القبة العالية، وليس سوى رائحة البحر وقطران الماعونة ، والأكياس الخيشية من حولي.
اقتباسات حنا مينه
اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات حنا مينه .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.
اقتباسات
-
مشاركة من أسماء كمال مروات ، من كتاب
نهاية رجل شجاع
-
- يا إلهي! إنني خائفة، ماذا لو تبقى معي الليلة؟
- أنظمة المستشفى لا تسمح، لكنني سأستأذن في البقاء معك لنشاهد لعبة مهمة بكرة القدم، بين المنتخب الإنكليزي والمنتخب الإسباني.. لقد أخبرتني الممرضة عن هذه المباراة، وسيضعون تلفزيونا قرب سريرك... وسنشاهد هذه المباراة الممتعة معا..
صفقت فرحا. كانت ولوعة بالألعاب الرياضية، ولعبة كرة القدم تفتنها، وهو يعرف ذلك، ولهذا سعى بإحضار التلفاز إلى غرفتها، وقد نجح، على هذا النحو، في إزالة أثر المشهد الذي أحزنها وأخافها، وهذا ما طمأنه وبعث السرور في نفسه، فربّت على خدّها، وقبّلها، وقال لها كلمات حلوة، وأعلن أنه سيذهب الآن إلى العشاء، ويعود قبل التاسعة ليلا، لمشاهدة المباراة معها، وأوصاها، ان تتناول وجبة المساء، بعد قليل، بشهية طيبة، لأن الغذاء ضروري لها، وسيسرع بشفائها.
كان جوابها ابتسامة. كانت موافقتها ابتسامة. كانت ابتسامتها تقول كل شيء، وفي التماعة السواد، في عينيها الحوراوين، كانت هذه الابتسامة تتكثف، تضيء، تشع، وعندما تبتسم، وتنفرج شفتاها عن صف من الأسنان البيض، المنتظمة في قوسها الفكي، كان يجد دنيا من الصبا، والبراءة، والوداعة، والحلم الجميل، الذي يعرف أنه حلم غارب، كالشمس الغاربة.
استدار للخروج، لكنه بصعوبة انتزع نفسه من حضور ابتسامتها، ملقيا، وهو يخرج، نظرة على السيدة مارسيل الراقدة الآن في سريرها المحجوب بستارة بيضاء، تنغلق عليها كسياج، يجعلها شبه معزولة عن الغرفة التي ابنته فيها. وحين ألقى نظرة على سرير السيدة مارسيل، تذكرها بقامتها الفارعة، وجسمها المتناسق، ووجهها البيضاوي الموشح بلون خلاسي، أقرب الى البياض، وشعرها الخرنوبي، وكل طلعتها التي تعطي انطباعة عن نبالة أصل، ورقة امرأة ذات ثقافة، طغى عليها خوف مرعب، لكنه إنساني، يترك في النفس أثرا عميقا من الغرابة والمشاركة في الأسى.
مشاركة من المغربية ، من كتابحمامة زرقاء في السحب
-
غرق حي "الصاز" في مستنقع البؤس، فوق غرفة في مستنقع الوحل. أقبل الشتاء والبطالة تزداد انتشاراً في المدينة. جاءت الأنباء من المدن السورية الأخرى أن الأزمة الاقتصادية قد لحقت بها على نحو متفاوت... كان الانتداب الفرنسي قد قرر، بالتواطؤ مع دول أخرى، أن يقتطع اللواء من جسم سورية ويعطيه لتركيا. وكانت سورية وهي محكومة بهذا الانتداب، تناضل بغير جدوى لإحباط المؤامرة، وهكذا غدا اللواء مسرحاً لصراع سياسي، وكتب علينا نحن سكانه، أن نشهد تلك الأيام العاصفة التي كنا نخرج فيها، من الصباح إلى المساء، بمظاهرات تنادي بعروبة اللواء وتندد بالمؤامرة الجارية
السابق | 5 | التالي |