اقتباسات ربى عبد الحي

تحولت السّنغال باعتراف الجميع إلى مستعمرة فرنسيّة عام 1882م.

1914 وهو يهبط درج السّفينة في ميناء داكار، تلك المدينة الشّابة المسكونة بالحكايات، والّتي استحدّثتها فرنسا على شواطئ المحيط الأطلسيّ في السّنغال، وجعلت منها عاصمة لمستعمرتها الّتي عرفت بغرب إفريقيا الفرنسيّ،

حُشِدَ وقتها ما يقارب ثلاثة ملايين شاب، قتل عدد كبير منهم في الحروب وقتل عدد أكبر بكثير بأسباب أخرى كالأمراض، وسوء التّغذية، والألبسة الرّديئة الّتي لا تلائم جبهات الحرب الشّماليّة الباردة ‫ كان عيسى آنذاك في الرابعة عشر من عمره،

وسوقهم لخوض الحرّب العالميّة الثّانية بجانب الألمان، كانت الأخبار تتطاير عن أنَّ سفر برلك ما هو إلاّ رحلةٌ محتومةٌ باتجاه الموت، وأنّ الطّريق فيه أحادي الاتجاه، وأنّ الذّاهب فيه لا يعود.

ففي الخامس من شهر تشرين الثّاني 1914 أعلنت السّلطات التّركيّة النّفير العام لما سيعرف فيما بعد بسفر برلك، أرادت به حشد أكبر عدد من الجنود ممن تجاوز أعمارهم الساسة عشر و الزج بهم في أتون الحرب العالمية الثانية لمواجهة الألمان.

بسياسة التّتريك، ما أثار نقمةً شعبيّةً وانتفاضاتٍ امتدت كالنّار عبر هشيم المدن .

روح والدة مرثا، وبأنّها تمنحها الموافقة على قرارها، ردمت الحفرة بسرعة، وبذات اليدين المرتجفتين زرعت في المكان نفسه بصلاتٍ من الزّنبق، أما شتلة العنب فقد زرعتها في الطّرف الآخر الأبعد من الحديقة، وعندما دخلت إلى المنزل أخيراً، كانت ترتجف من الخوف و من الحمى.

شتلة العنب، الّتي أرسلتها إليها الجدّة فضّة من فرعٍ للعريشة المعمرة المزروعة في فناء منزل والديها، هناك حيث اعتادت العائلة أن تجتمع لتستظلَّ بفيء أوراقها، وحيث كانت تقضي السّاعات بتبادل الأحاديث والضّحكات مع شمس ‫ اختارت مريم يومها أن تزرع الشتلة في الجزء الخلفي.

سبب رفض كاهن القرية إقامة القداس لراحة نفس شمس، فحتّى الصّلاة لا تقام على أرواح المنتحرين، ولكن اطمئن يا أبـي، أنا متأكّدةٌ بأنّ روحها ترفرف بجوار الملائكة، فرحمة الله وعدله واسعان ‫ - أدعو لها ليل نهار، وأرجو أن يعفو الله عنها.

الصّمت أيضاً وسيلةً دفاعها الوحيدة عن نفسها في ذلك اليوم الصّيفيِّ الحار، بعد سنةٍ تقريباً من زواجها، يومها عاد جبرا في غير موعده المحدد، فرآها تطوف بمرثا في أرجاء المنزل وترنّم لها أغنيةً للأطفال بصوتها المخمليّ الّذي ورثته عن والدتها.

القديسة مرثا، فقد أعاد لها إيمانها أخوها أليعازر من بين الأموات، لعلها تكون شفيعة هذه الصّغيرة وتعيد إليها في يوم من الأيام والدتها.

‫ عاد جبرا بعد أن وضع حصانه بالإصطبل، ليصطحب مريم في جولةٍ لتعريفها إلى المنزل.

من قرية حبنمرة الجبليّة البعيدة، جاء جبرا الحصري برفقة أبا سعيد الّذي كان يعمل بائعاً متنقلاً بين القرى الصّغيرة المتناثر حول مدينة حمص، وراح يطمئن جبرا ما أن شارفوا على الوصول إلى زيدل: ‫ - لن تندم أبداً على قطع كل هذه المسافة.

‏يا شمسْ يوم فراقهم لا تطلعي  ‏

‫   إلاّ بغيمْ أسودْ وبرقٍ يلمعِ

‫ ‏وإن كان يا مريم وبتحبيني  ‏

‫   تعلّقي بنعوشنا وتودعي

‫ كادت مريم وقتها أن تصرخ بالمعزيات اللّواتي ردّدن ذلك الرّثاء ذاكراتٍ اسمها.

أول قوات حفظ سلامٍ في التّاريخ بأمر من نابليون الثّالث ولوقف الفتنة وخوفاً من تزايد النّفوذ الفرنسيّ بالمنطقة بحجّة حماية مسيحيي الشّرق عيّن السّلطان التّركيّ والياً جديداً على دمشق، ضرب بيدٍ من حديد كلّ المتورطين في المذابح، فأعدم، ونفى، وسجن المئات منهم من كان من كبار موظفي الدولة

1860

اندلعت أحداث (طوشة النّصارى) والّتي امتدت من لبنان ووصلت إلى بعض المدن السّوريّة قبل ثمانية عشر عاماً من ولادة مريم.

قرية مريم الصّغيرة "زيدل" في الرّيف الشّرقي لمدينة حمص، وتتألف من مجموعةٍ قليلةٍ من البيوت المتواضعة.

صحت رفقاً يا حبيبـي قال لا  ‏

‫   قلت راعي الوّد يا ريم الفلا

‫ وتتذكر الثّوب الجميل المصنوع من الجوخ الأحمر والمطرّز بورودٍ ملونة، والّذي كانت والدتها ترتديه إلى قداس الأحد، وفي المناسبات.

وعدتكِ الطّفلةُ المفعمةُ بالحياةِ الّتي كنتها، بأنّها ستحيلُ ذاكرتكِ يوماً إلى كتاب، وها هي ذي المرأةُ المثقلةُ بذاكرتين الّتي غدوتها تفي بوعدها وتبدأ……