اقتباسات ربى عبد الحي

هل كنَّ فعلاً غير كفوءات؟ ‫ - لا أعلم يا عزيزتي، لم يكن أبداً راضياً، أتساءل أحياناً أن كان قد بحث فيهنَّ عن شيء من المرأتين الوحيدتين اللّتين أدارتا حتّى ذلك الزّمان حياته ومنزله، فما استنشق فيهن رائحة أمّه، ولا عثر بوجودهن على سلام.

استيقظ أهل قرية عين الباردة في ذلك الصّباح على صوت أجراس الخطر الّتي قرعها الفلاحون في الكنيسة، دقائق قليلةٌ بعد ذلك تقاطر الرّجال حاملين الحبال وقاموا بجرِّ المركبة، وإنقاذ الرّكاب الّذين تجمدت مفاصلهم خوفاً وبرداً ‫ ضمَّ عيسى وجه ماري بيده.

الحكايات الّتي نذرفُ من أجلها شلالاتٍ من الدّموع اليوم، قد لا تحرض ذكراها أكثر من تقطيبة حزنٍ صغيرةٍ بأحسن الأحوال غداً، وإنّ من يتمحور الكون حول لقياه اليوم، قد لا نلقي على انعكاسات ظلّه أكثر من نظرةٍ عابرةٍ.

"فرحتي كبيرةٌ، كبيرةٌ بك، نورت بعودتك حياتي يا بني".

‫ حرص جرجس على بناء حياةٍ جديدةٍ مزدحمة بالعمل والواجبات بهدف الهروب من طيف جواهر الّذي أصرَّ على ملاحقته.

لقد تزوجت على امرأتك، خنت طائفتك، تبرأت من دينك، أهل الحيِّ عاجزون عن تحمّل وجودك بينهم وبين أولادهم بعد كلّ هذا، بلاد الله واسعة يا بني ‫ رضخ أمين لطلب المطران بعد أن تأكّد بأنّ الحياة لم تعد ممكنة فعلاً في الحي.

مستعدٌ لدفع مهرك الغالي، أتتزوجينني؟

‫ - موافقة طبعاً، بل أتوق لهذا، متى ستطلبني من والدتي؟

‫ - الآن إذا أردت.

‫ "لقد لحست الفتاة عقله"، "رفعت له طرف ثوبها فانعمى على قلبه".

يستمتع بلعبة الصّدف المقصودة للتّلامس الجسديّ مع جواهر قبل عودة جرجس من المدرسة، شهورٌ قليلةٌ كانت كفيلةً بمسح آخر ذرةٍ للمقاومة في عقله، وعندما التقط في إحدى المرّات شفاهها، الّتي عبرت كالعادة متعمدةً بالقرب من وجهه، دفعته عنها بلطف، فسارع مبررًا : لم أعد قادرًا على الصبر.

الفرنسيّون فقد دخلوا إلى دمشق، بعد أن ربحوا بسهولةٍ معركة ميسلون، إلى الموت المحتّم ذهب يومها وزير الحربيّة يوسف العظمة

تقاسم الحلفاء الورثة التّركيّة بتطبيق اتفاقية سايكس - بيكو الّتي رسمت الحدود الجديدة وقسمت بلاد الشّام إلى مناطق نفوذ فرنسيّة وبريطانيّة، ومهدت لوعد بلفور الّذي شرّعت به بريطانيا إقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود على أرض فلسطين وشرّعت معه أبواب المنطقة على التوتر و النزاع و الحروب إلى الأبد

أمضى أفراد عائلتي الحصري والخوري ليلتهم منتحبين، مصلّين، فمن الأحراش المحيطة بالقرية،

اختار أن يملأ الحديقة الكبيرة في منزله بزرائب الحيوانات كالأبقار والأغنام والدجاج لتأمين مستلزمات بيته من بيع منتجاتها ‫ لم تقلقه حتّى ذلك الوقت غيرة مرثا المبالغ فيها، خصوصاً من مرام، الّتي كانت تتردّد عليهم كثيراً،

القابلة أمّ بشير، الّتي حلفت لكلّ الّذين اجتمعت بهم في المجالس أو حتّى استوقفتهم على الطّرقات:

‫ "العدرا تشهد على أنّ ما حملته بين ذراعيَّ كان طفلاً قوياً مكتمل الصّحة".

حكاياتٍ موجعةٍ كثيرةٍ عجت بها سجون بلاد الشّام، الّتي عبر ذاكرتها في تلك الفترة الكثير من المثقفين، ورواد الجمعيات العربيّة، قبل أن يموتوا تحت التّعذيب، أو يُنفوا، أو يُعدموا، في ظلّ التّطبيق الجائر للأحكام العرفيّة الّتي فرضها والي دمشق جمال باشا

قدمت من دمشق إلى القريةِ عائلة الخوري واشترت منزل خليل داغر، الّذي سكن الرّماد عينيه كما منزله بعد أن شبَّ فيه حريقٌ مودياً بحياةِ اثنين من أبنائه، ومودياً معهم برغبته بترميم الجدران والأبواب الّتي ستظلُّ في نظره دائماً متفحمةً كأحزانه.

عرف عمَّا عاناه والده بعد أن أصيب بشللٍ نصفيٍّ على إثر جلطةٍ دماغيّةٍ أقعدته الفراش أربع سنوات، لم ينم فيها ولم يسمح لغيره بالنّوم، إذ كان مسكوناً بالرّعب من الموت، وبرعبٍ أكبر من أن يغمض عينيه فتطارده في نومه أشباحه،

الفصل الرّابع: ‫مرثا ‫ كتقلب مزاج الطّقس، يتقلب مزاج السّكان على تلك المرتفعات الجبليّة، فمن الحرِّ المجبول باللّهاث والعرق، الّذي يفسد قيلولة الظّهيرة صيفاً، إلى أعاصير الأمطار والثّلوج الّتي تغرق بالملل لياليهم الباردة شتاءً، أيكون هذا هو السّبب الّذي جعلهم جميع أحداث حياتهم بمبالغة حتى أقصاها؟

"اللّي بيتزوح من غير ملّتو بيموت بعلّتو يا ثريا" ‫ كم تذكرت ثريا أمَّها، وهي تجاهد لتسبح عكس مشاعرها، دون أن تحميها كلّ تلك المرّات الّتي سمعت فيها نفس الوصيّة من الغرق في نظرات عمر الجارفة كدوامات بحريّة، ورجولته الصّارخة كإعصار.

كتاجر كشّة، وأن يستخدم كلّ الأموال الّتي جمعها حتّى ذلك الوقت ليفتتح محلاً تجارياً في داكار، عمل فيه بتجارة سلعٍ متنوعةٍ كالملابس والمصوغات والذّهب والعاج وريش النّعام، وعندما تحسنت أعماله أقنع مسيو روبير بترك العمل في شركة الأخشاب لمساعدته في المتجر.

Nouveau Voyage dans le pays de nègres" ‫ يقول روبير في مذكراته "جذب الكتاب اهتمامي بدءاً من الصفحة الأولى، فقرأته بنهمي القديم، رافقتُ الكاتب "آن - جان باتيست رافنيل" في رحلته الّتي انطلق بها عام 1846 لاستكشاف المناطق الدّاخليّة في إفريقيا.

معرفتها المسبقة بالفضيحة الاجتماعيّة الّتي سيسببها زواجها بهذا الشّاب الّذي يصغرها بسبعة أعوام، وبالرّفض القاطع الّذي ستواجهه به عائلته، إلاّ أنّها عوّلت على أنّه الولد الوحيد لوالديه وأنّهم سينتهون إلى مسامحته والقبول بها، لذلك فلا عجب بأن خيبة أملها وندمها بهذا الزواج تعاظمت بعد قدوم طفلهما الصغير لوسيان.