اقتباسات من كتاب مسرات القراءة ومخاض الكتابة : فصل من سيرة كاتب

الكتّاب الجيدون قرّاء جيدون، ما لم تكن قارئاً نهماً لا تكف عن ملاحقة كل ما هو مهم من إنتاج فكري وأدبي، فلا يمكنك أن تكتب ما هو هام ومميز، خاصة مطالعة ما يتصل بالمجال الذي تتمحور اهتماماتك فيه.

إنها المرة الأولى في تاريخ الحضارة التي يخترع الانسان فيها فضاءً افتراضياً موازياً للواقعي، ويومًا بعد يوم يحتجب وراءه الواقع. فضاء يعمل على تأمين المتطلبات البشرية، بحذف كثير من الكلف والمشقة والمعاناة والجهود المرهقة.

منعطف كأنه قدر ثقافي، لا يمتلك المرء حياله خيار الرفض والمقاطعة، لأنه يحيطنا من كل جانب، ويغطي كلَّ فضاءٍ في حياتنا.

لا يمكن أن يحجب الظلامُ الضوءَ، ضوءُ شمعة بسيطة يفضح الظلامَ مهما كان شديد الحلكة. الشمعةُ في ركام الظلام تسفر بوضوح أشد عن شعاع نورها مما لو كانت وسط كتلة نور متوهجة.

نحن في تحدّ يحكي انتقالًا إلى طور وجودي بديل، نشهد ارهاصاته في سياق التطورات المتسارعة للحياة.

ما أجنيه من مكاسب في الكتابة تدعوني للاستمرار، إذ تخفض شيئًا من قلقِ الوجود، والشعورِ المرير بضراوة الشرّ وتفشيه في الحياة، وتمنح حياتي شيئًا من المعنى.

لست محبطًا ولا يائسًا، مازلت أنجو بالكتابة من الخوضِ في متاهات الحياة، وحمايةِ نفسي من الاكتئاب والمحافظةِ على صحتي النفسية، بغضِّ النظر عن أصداءِ هذه الكتابات وانقسامِ مواقف القراء حيالها.

منذ أن بدأتُ الكتابةَ والنشرَ لم أتوهم يومًا أن العالمَ يتغيّر على إيقاع كتاباتي، أو أن الناسَ يترقبون أن يكتمل رسمُ خرائط حياتهم وطرائق عيشهم بأفكاري وكلماتي، دائمًا أعيش هاجسَ أن ما أقوله لا ينصت إليه أحد.

التنكرُ للأخطاء أحدُ أهم عوامل العجز العربي والإسلامي المزمن، وهو أحدُ بواعث تسيّد التآمرُ بوصفة إطارًا لتفسير الأحداث.

فالنكوص الأُحادي الذي يعزو كلَّ ظاهرة وأثر إلى شيءٍ واحد، ويختزل كلَّ الأسباب بسببٍ واحد، جاهزٌ ومُشاعٌ لمن لا يطيق التفكير إنه حلٌّ عاجل لا يتطلب أيَّ تقصّ، فيشجع كلَّ إنسان، مهما كان مستوى وعيه، للتشبث به، واعتماده كاستنتاج «محصّن»

ضاعت أيامٌ ثمينة من عمري بقراءة كتبٍ تعتمد التآمرَ إطارًا لتفسير كل واقعة.

الأيديولوجيا نسقٌ مغلَقٌ، يغذّي الذهنَ بمنظومة معتقداتٍ ومفاهيم ومقولاتٍ نهائيةٍ، تعلن الحربَ على أيّة فكرةٍ لا تشبهها، تنتهي إلى إنتاجِ نسخٍ متشابهةٍ في الظاهر من البشر، وتجييشِ الجمهور لرأيٍ واحدٍ

النصُّ كائن حيّ ‏يختلف باختلاف مثابرة وموهبة ولغة وعصر وحالة مَن يكتبه.

الكاتبُ الحقيقي مبدع، الإبداع اختراقٌ للقوانين المتعارَفة للكتابة وخروجٌ على الطرق المرسومة من قبل، ومغادرةٌ للأساليب المملة.

كلُّ شيء في هذا العالم قصة،

يقول يونغ: «في بعض الأحيان تستطيع شجرةٌ إخبارك أكثر مما تستطيع الكتبُ إخبارك به»(17).

لكي أكتب جيدًا، لابد أولاً أن أشعر بالملل حتى الجنون، ولكي أشعر بالملل حتى الجنون، لا بد أن أدخل فى الحياة»(13).

ليس هناك نصٌّ يبدأ من لا شيء، النصُّ المكثّفُ نسيجٌ يحيلُ إلى ما يختزنه الكاتبُ من نصوص قرأها في مراحل متوالية من حياته.

الرواية من أثمن أجناس الكتابة وأغناها وأصعبها احترافًا ليست الروايةُ تكديسَ ألفاظ أو حكايات مبعثرة، الرواية تتطلب من الكاتب موهبةً ومهارة لن تكونا طيّعتين إلا بعد تراكمٍ معرفي وجمالي واسع وعميق، ومطالعاتٍ غزيرة لأعظم الروائيين العالمين والعرب، وتمارين شاقة

لكلٍّ منا آلامُه ومزعجاته ومثيراته وحساسياته ومشاعره الخاصة، كتاباتاتي وحياتي تتذبذب كما يتذبذب المنحنى النفسي لذاتي صعوداً وهبوطاً