اقتباسات من كتاب مسرات القراءة ومخاض الكتابة : فصل من سيرة كاتب

❞ نعم الدليل كنت، والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول وبلاء وخمول. ❝

❞ وأكتشف أن المطالعة تعني ضرورةَ تذوّق القارئ للنصّ، التذوق حالة للذات لا تنوب عنها أيةُ ذات أخرى. ❝

❞ الكتابةُ ومازالت منبعًا غزيرًا لتوالد أسئلةٍ حارقة لما تراكم في ذهني من أوهام، تولد منها أسئلةٌ أشدّ احتراقًا.كلما فكرتُ بعمق وأنا أكتب ضاق فضاءُ الأجوبة واتسعت الأسئلة، ذلك ما يجعلني أتهيّب اقتحامَ الكتابة، وأحاول ألوذ بخيمة القراءة. ❝

❞ تعلمتُ من الكتابة ما هو أبعد مدى وأدقّ من القراءة، استطعتُ أن أصنع من كلماتٍ مبعثرة معاني مُلهِمة لحياتي. تعلمتُ من الكتابة الوضوح، ورسمَ الحدود بين الأشياء، واكتشافَ جغرافيا المفاهيم وخرائطها، وحرّرتُ ذهني من وصايات الفلاسفة والمفكرين والكتّاب بمختلف أساليبِهم ❝

شخصيةُ الإنسان الذكي أعمق وأشدّ تركيبًا من غيرها، كلّما كان العقلُ أعمق كان أدهى في المكر، وأكثرَ قدرة على حجب دوافعه وممارسة الأذى بمراوغة واحتيال، لا يحمي الناسَ من الإنسان الذكي إلا يقظةُ ضميره الأخلاقي.

فإن أكثرَ الناس بطبيعتهم يستفزّهم أيُّ مُنجَز يقدّمه غيرُهم، وتؤذيهم نجاحاتُهم، خاصة مَن يمتهنون مهنتَهم، ومَن هم أقرب إليهم.

لا أجد عقابًا أقسى من الإهمال لمن يخرج عن أدب النقد العلمي ويسرف بالهجاء

الكاتب الحقيقي ربما يكتب كتابًا واحدًا، ما قبله تمارين، ما بعده تنويعات.

يوقفون حياتهم لتكثير العناوين بأي شكل، حتى تصل اصدارتهم أحياناً إلى مئات المجلدات، غير أنها سرعان ما تختفي، كما يختفي السراب الذي يخطف أبصار الناظرين أول وهلة.

الفيلسوف الألماني شوبنهاور أمضى حياته كلها في كتابة كتاب واحد، هو: «العالمُ ارادةً وتصوراً»(43)، وهو الكتاب الذي ولد من كلماته نيتشه. يكتب نيتشه في مقالته «شوبنهاور كمعلم»، بأنه «ما إن قرأ هذا الكتاب حتى شعر بالدوار العقلي،

الكلمة كائن حيّ تاريخي، تجري عليه نواميس الخلق والولادة والتطور والهرم والمرض والموت، مثلما يولد ويتطور ويهرم ويمرض ويموت كلُّ كائن حي.

كلُّ كتابة إعادة كتابة، كلُّ كتابةٍ كتابةٌ على كتابة.

ليس بوسع أي كاتب تعلم الكتابة إلا بإدمان الكتابة. الكتابة تمرين أبدي، وقوده المطالعة المزمنة، والتفكير المستمر، والمراجعات المتكررة، وشطب ما ينهك النص، واستبعاد ما يطفئ وهجه، والعمل على ترصين بناء الجملة، وتكثيف الدلالة بأقل ما يمكن من كلمات.

كما نتعلم التفكير بالتفكير، نتعلم المطالعة بالمطالعة، ونتعلم الكتابة بالكتابة، ونتعلم الرسم بالرسم.

الكتابة ضرب من التفكير المزمن، والعمل المستمر على تعلّم التفكير.

الكلمات في الكتابة صوت التفكير، الكتابة بلا تفكير ليست سوى صوت طبلٍ أجوف. الكتابة بلا تفكير أسوأ أنواع الكتابة، والأسوأ منها الكتابة قبل تعلّم التفكير والتأمل.

كما أن قبل كلّ تفسيرٍ تفسيرا سابقا، قبل كلّ تأويلٍ تأويلٌ سابق، قبل كلّ فهمٍ فهمٌ سابق، وأيضاً قبل كلّ كتابةٍ كتابةٌ سابقة.

كلُّ صفحة في الكتب الخالدة تختزل ألفَ صفحة، كلُّ عبارة تختزل ألفَ عبارة، كلُّ كلمة تختزل ألفَ كلمة لا تبدأ أية كتابة من لا شيء، ففي كل نص يرقد كثير من النصوص في كل كتاب يتناغم كثير من الكتب يتوالد

الكتب الخالدة هي خلاصة خصبة مكثفة لمكتبات كاملة، تم استيعابها وهضمها وتمثلها، وإعادة سبكها وتكوينها في مركّب مختلف

كلُّ كتابة جادة هي نحو من استيعاب وهضم وتركيب لبناء جديد، يتسع نسيج الكتابة لاستيعاب شيء من كتابات سابقة، مُعاد ابتكارها.