لم يعد العالم قرية صغيرة ، بل أصبح شاشة صغيرة حجمها ثابت لكنها منتشرة بين أيادي الملايين.
في مقدمة صغيرة ومهمة جدا يوضح الكاتب التأثر الكبير الذي يحدث في مجتمعنا بسبب استخدام مواقع التواصل لأوقات كبيرة والانسياق خلف الشروط التي تُمليها هذه المواقع تحت مسمي التحديات وما يفعلة المرأ للحصول علي لايك من هنا ومن هناك كي ينال شهرة حتي وإن أودت بحياتة هذه التحديات.
لم تعد كل مدينة أو دولة مقتصرة علي ذاتها وأفرادها لأن الجميع يتابع ، الجميع يتحدث ويدلي برأيه في كل شئ واي شئ ، وكأنهم كما وصف الكاتب - مليار شخص يجلسون في مكان واحد يتعرضون لنفس الأخبار والاختبارات والتحديات - ، كما أن عصور السوشيال ميديا أصبحت لا تقتصر علي الفيس بوك فقط ، التطبيقات تكاثرت واختلفت وكل يوم يظهر تطبيق جديد بأسلوب وشروط ونموذج مختلف.
التوطئة أوضحت بشكل كبير المدخل الرئيسي للكتاب
وهو الحديث عن الأمراض الرقمية ✨ ، ولأن موضوع الكتاب وتفاصيل الأمراض مهمة جداً ولكي لا أطيل في سردها فقد اخترت منها العناصر المهمة والمؤثرة جداً من وجهة نظري والتي من خلال قراءتها سيتضح للقارئ أكثر المقصود بالأمراض الرقمية.
" الاجتزاء ".
مشكلة الاجتزاء الأهم تكمن في شيوع المعرفة المنقوصة ،
وعدم الإلمام بكل زوايا الموضوع ، وقد ضرب الكاتب مثالاً للتوضيح بالفرق بين تعامل الفرد مع تاجر الجملة أو تاجر التجزئة ، في عملية الشراء تاجر التجزئة ستفقد مع القليل من المال ، لكن تجزئة المعلومات والحقائق خاصةً إن تم عن عمد ضريبتة فادحة تتمثل في وجود فارق كبير في الوعي والمعرفة.
الاجتزاء معناه : عدم الإطلاع علي سياق الشئ كاملاً ، وهو مرض ثقافي واجتماعي متوطن في كل المجتمعات ، ويزيد في كل البيئات التي تعاني من الانغلاق المعرفي وعدم القدرة على الوصول إلي معلومات جديدة بجانب تراجع جودة التعليم وانعدام إرادة المعرفة.
" التسطيح "
وهو التبسيط المفرط والمتعمد للمحتوي الفكري ، خصوصاً في مجالات التعليم والآداب والثقافة بشكل عام ، وهناك فارق بين التبسيط القائم علي منهج وأسلوب ، وبين تعمد تجاهل العمق والاكتفاء بالقشور.
عُرض في سياق التسطيح صور وأمثلة كثيرة ، تُبرز تنميط القضايا الكبري في صور وعبارات يتجمد عندها الزمن ويحفظها الناس ويتناقلونها دون دراية.
ثم تأتي فصول الانسلاخ والانحلال - التي يجب أن تُقرأ بعناية - وكأنها دراسة مجتمعية مهمة تمت بآلية بحث عميقة تناولت العديد من المحاور الحاضرة بطريقة أوضحت جداً حجم الكارثة في الوقت الحالي وما يمكن أن تزيد عليه في الأعوام الآتيه.
لم تقتصر الأهمية علي ما ذكرت من العناصر ، فكل عناصر الكتاب مُهمة من وجهة نظري ، يوضح الكاتب المصطلحات ويضرب لها الأمثلة ثُم يسقطها علي الواقع المُجتمعي المؤسف مؤكداً أن هذه الأمراض الرقمية قديمة وموجودة لكن حجم انتشارها وتأثيرها السلبي هو ما زاد وطغي.
وقبل نهاية الكتاب يأتي فصل ما قبل الحلول ليشير إلي نقاط هامة أراد الكاتب ذكرها ، كأمراض إجتماعية شائعة جمعت في فصل واحد ولا تستدعي الشرح ، وكانت الخاتمة بفصل الاعتدال الرقمي ، " اختيار حياة من التركيز في عالم صاخب " وهي محاولة جادة قدم لها الكاتب حلولاً مناسبة جداً لا ينقصها سوي إرادة الإنسان في التعافي من أمراض السوشيال ميديا.
الظاهرة عالمية لكن هذا الكتاب يسعي لرصدها مصرياً وعربياً ، لا يهتم هذا الكتاب بما يصيب جسد الإنسان من آلام ومتغيرات جراء استخدامة لمواقع التواصل الاجتماعي ولكن يهتم بما يصيب الأفراد ومن ثم المجتمعات من تشوهات نفسية ومجتمعية من أثر الإفراط في الاستخدام لمنصات السوشيال ميديا.
الكتاب غير أن موضوعة مهم جداً ومواكب للأثر السئ الذي باتت تتركة فينا مواقع التواصل الاجتماعي ، فهو مكتوب بلغة جمعت بين أسلوب الحكي المُبسط لسهولة إيصال المعني للقارئ وتوضيحة وهو أيضاً مبحث إجتماعي ومدخل مهم لهذا النوع من هكذا كتابات.