مراجعة رواية أرض الغربان للمؤلف أحمد عصام الدين:
دار النشر: كيان للنشر والتوزيع عدد الصفحات 167 صفحة،
أولا الغلاف:
دعونا نقول بكل وضوح أن الغلاف جذاب لهؤلاء المنقبين عن الإصدرات ذات التصنيفات التي تستهويهم، فالغلاف سبب قاطع لإقتنائي الرواية لشعوري أن العمل من تصنيف الفانتازيا وهذا ما تأكد بين طيات الرواية بالفعل.
1. ملخص لموضوع الرواية:
تقص الرواية حكاية الشاب (فارس) التي وُجِدت في رسالة أوراقها صفراء داخل زجاجة مُلقاة في المياه التقطها أحد الصيادين وظنّ أن رزقه قد حان وقته، ولكن خاب ظنه حين وجدها مجموعة أوراق بالية، ليسألها قائلاً "لماذا - دوناً عن سكان العالم- عَلِقت بشباكي؟"
تحكي الرواية قصة الشاب (فارس) هذا الشاب الذي كان يسكن الي جوار امه وأبيه في مدينة تقع على شاطئ البحر، مدينة حيث اللازمان، مدينة لا تشبه مدن البشر الحالية، مدينة رزقها من البحر والي البحر، لا يتعامل فيها الناس بالاوراق النقدية التقليدية ولكن بنظام المُقايضة، يمنحون البحر أغلي ما يملكون ليجود عليهم بالرزق، مدينة تدرك جيداً قيمة العلم وأهمية القراءة، مدينة يتحدد عمر سكانها بألوان قمصانهم ويتوسط القمر سماءها ،وكل شخص يرى القمر بصورة مختلفة ،منهم من يراه ابيض برَّاق ومنهم من يراه اسود داكن وهناك من يراه أحمر متوهجاً، إلا أنه يمثل للجميع مكانة كبيرة وتنعكس من خلاله شخصية كل فرد في المدينة، مدينة برغم اختلاف سكانها عن سكان المدن الحالية في كل شيء وبخاصة طريقة المعيشة، إلا أن شيء واحد لم يستطيعوا ان يغيروه وهو شبح (الفقر).
والي جوار مدينة الشاطئ هناك مدينة الظلام، مدينة تغطيها ستائر الظلام الحالك، يشعر كل من يدخلها بخوف عظيم، الانتقال هناك ليس بالشيء الهيِّن ويتطلب تضحية كبيرة، انها مدينة تختلف خريطتها من شخص لآخر، ولا يتفق وصفها من إنسان لآخر، انها مدينة "العقلُ يدفع الإنسان نحوها، والعاقل لا يذهب إليها أبداً".
"فارس" الشاب التائه بين قناعاته وانانيته، الناقم على ما حوله وبخاصة البحر الذي يراه يأتى بالكنوز لمن لا يستحق ويبخل عليه بكل ما يتمنى، فلا يمنحه سوى أوراق بالية وأغراض قديمة تلتقطها شباكه كل مرة يظن فيها أن البحر سيجود عليه من خيراته، وفي كل مرة يخيب ظنه لتزداد نقمته؛ وتزداد بداخله الرغبة في الثروة والنفوذ والسيطرة، وفي طريقه لهما يفقد الكثير مما ظنّ أنها اشياء مُسلَّم بها في حياته، فهل ستنتصر القناعة لدى فارس على انانيته؟ وهل سيفيق قبل فوات الأوان؟ ام أن كفة الطمع عنده ستفوز؟
2. رأيي الشخصي :
لم تخيب الرواية ظني من صفحاتها الأولى، لأتأكد اني على أعتاب تجربة جديدة وفريدة من نوعها، وحينما بدأت أبحر في الأحداث ظانة انها رواية فنتازيا خيالية، أدركت انها رواية فلسفية رمزية من الصعب توقع أحداثها وأين ستسير شخصياتها، وبرغم صغر حجمها نسبياً إلا أنها حملت الكثير من الرسائل العظيمة بين طياتها لتنكشف رمزيتها في الفصل الاخير ليدرك القارئ الي ماذا كان يشير الكاتب خلال روايته، وخلال الأحداث ألقى الكاتب الضوء على أهمية العلم وقيمة القراءة ومكانة الكتاب لدى جميع الناس، فالقراءة مهما حدث ستظل لها قيمتها و مكانتها بين الشعوب، ليؤكد على أهمية القناعة والرضا بالقدر مهما حدث، وكذلك ضرر الطمع على صاحبه، ومن ناحية أخرى نجد أهمية الأسرة و دور الأم والأب الرئيسي في حياة أبنائهم مهما تقدَّم بهم العمر وغدوا شباباً بل ورجالاً أيضاً، وأيضاً قيمة الحب في حياة اي انسان وكيف يكون فقده خسارة كبيرة، الماضي وكيف بإمكانه ان يحبس صاحبه داخل سجن أخطائه ومن ناحية أخرى يمكنه أن يكون حافز ودافع له، وأخيراً الوهم وانعكاسه السلبي على صاحبه، رواية رائعة و مختلفة غير متوقعة الأحداث، أنصح بقراءتها وبخاصة لمحبي الروايات الرمزية والفنتازيا.
3. السرد والتعليق:
بلغة عذبة ممتازة جدا وفي تدرج قصصي وبناء درامي بلا أي ثغرات، يحيلنا الكاتب لعرض رحلة بطلة المتأرجحة بين بيته علي ضفة الشاطي وبين غياهب مدينة الظلام، في أسلوب سردي يحكي علي لسان البطل، منتهيا بنهاية صممت بعناية إضافت عنصر التشويق والجذب لكل فصل محولة أياه لفصل يحمل بمنتهي الذكاء بداية ووسط وذروة، ختاما فلا يمكن أن نتناسي موهبة الكاتب في أختيار مواضع اللإقتباسات (الحكم) التي قدمها الكاتب دون الزج بها بشكل عشوائي موضحا إياها في تأثر البطل بمواعظ وحكم جده بشكل دائم في حكيه علي مدار فصول الرواية
4. الشخصيات:
1- كان لشخصية الراوي في نصيب الأسد في السرد، ليس فقط لكونها من يسرد الأحداث بل لأنها الراوي والبطل في آن واحد، مما زاد الترابط مع الكتلقي في تتبعه للأحداث وتأثره بها من الصفحة الأولي وحتي الأخيرة
2- شخصية الجد: شخصية مبهرة صاغها الكاتب بذكاء شديد أتضحت أهميته في أن البطل دائما ما يستعرض حكم جده في المواقف المختلفه التي يتعرض لها، بالتزامن مع تواجد الشخصية ذاتها كبطل مهم وترس ذو أهمية قصوي في تغير مسار الأحداث وهذا ما أبهرني جدا في تصميم تلك الشخصية
3- الشخضيات الفرعية:
دعونا نقول بدون مبالغة أن هذا العمل يحمل رسم متفرد في تصميم الشخصيات الفرعية- رغم قلة عددهم- يتضح في إنعدامية وجود أي شخصية فرعية ليس لها دور في غاية الأهمية للأحداث، فهذا أول عمل روائي أطلع عليه وكل شخصياته الفرعية تعتبر شخصيات اساسية في نفس الوقت، أي لا توجد شخصية تم تهميش دورها أو وضعت بشكل عشوائي غير مبرر إطلاقا وهنا أرفع القبعة للكاتب علي تمكنه الشديد الدقة في رسم شخوص قصته
5. الاماكن:
تدور الرواية مكانيا بين ثلاث أماكن محددة قدمها الكاتب بوصف وافي ومتناهي الدقة وهم منزله القابع علي ضفة الشاطي، الشاطئ الذي يعمل فيه بشكل يومي كبحار، مدينة الظلام التي صممها الكاتب بدقة وإبداع جعلني أشعر كما لو كنت أنتقلت رفقة البطل في جولة من جولاته خلالها رغم كونها مدينة مبهمة التفاصيل والمعالم في أغلب الوقت نظرا لأنها مكسية بالظلام، لكن بكل تأكيد وصف الأماكن لا غبار عليه
6. اللغة والسرد والحوار :
اعتمد الكاتب اللغة العربية الفصحى سرداً وحواراً، وقد برع في توظيف اللغة بصورة رائعة خاصة مع استخدامه للصور البيانية والتعبيرات البليغة في الرواية، وقد غلب السرد على الحوار بصورة كبيرة، حيث أن الرواية تحكي مذكرات شاب وُوجِدت في رسالة يقرأها أحدهم.
7. الأسلوب :
اعتمد الكاتب أسلوباً مميزاً خلال الرواية حيث السهل الممتنع، فإلى جانب بساطته الا انه يحتاج لتركيز كبير أثناء القراءة لفهم سير الأحداث ومدلول كل عبارة، وقد اعتمد الكاتب على الوصف بصورة كبيرة خلال الرواية سواء وصف المكان او الشخصيات، وبرغم الوصف الدقيق الا انه كان خالياً من الاسهاب المؤدي الي الملل.
8. الشخصيات :
لقد برعم الكاتب في رسم شخصيات الرواية، فقد كانت الشخصيات متعددة و محدودة في آنٍ واحد، فنرى شخصيات كانت حاضرة بقوة خلال الأحداث وبرغم ذلك كانت حواراتها قليلة مثل شخصية الأم والأب، كما نرى شخصية تحسبها رئيسية لتكتشف في النهاية كونها جزء من رمزية الرواية، وبرغم كثرة الشخصيات الفرعية الا ان جميعها كان يخدم مغزى الرواية وله دور هام في سير الأحداث، وقد كانت الشخصية الرئيسية تتمثل في شخصية بطل الرواية (فارس).
9. الأحداث:
ختاما بالأحداث، فهي سريعة، بل سريعة دائما، شيقة لدقة الكاتب في تصميم قالبه الروائي وإطاره السردي الذي أهتم فيه بإنهاء كل فصل في حدث ناري يعد نقطة مشبعة بالتزامن مع كونها محمسة للقارئ لإستكمال جديد الأحداث في رحلة البطل، إضافة لكونها دائمة التأرجح بين أماكن الرواية وشخوصها، مما جعلنا أقرب لحقيبة ظهر رفقة البطل، نشاركه الأحداثه ونفكر ونتفاعل معه ونتأثر برحلته وختاما نسعي للتغلب علي ما يواجهه من أزمات وأحداث
10. الخلاصة:
عمل رائع متميز، كتب بعناية لغوية فائقة في السرد والحوار والوصف والأحداث، أحتاج فقط عناية بالنهاية وجعلها من أفكار وخيال المؤلف وليس بواسطته لغرض كتابة كلمة تمت للرواية، كما أحتاجت توجيها صحيحا للقارئ يحدد له تصنيف الرواية الصحيح وليس الأصوب لرواج في سوق المبيعات
11. النهاية (الحبكة):
أولا : رغم التصميم المتميز الأقرب للتفرد في كل الجوانب الروائية إلا أن نهاية تلك الرواية لم ترضيني وهذا لعدة أسباب، أولها الغلاف والأقتباس الخلفي الذي يعكس لك أنك في خلال قراءتك لتلك الرواية فأنت ستغوص في غياهب عالم فانتازي ستود العودة له دوما كملاذ من واقعنا الممل، لكن النهاية جاءت علي عكس ذلك، هادمة للبناء والرحلة بشرحها المستفيض لما هية بناء هذا العالم، مما أزعجني بشكل كبير، فالنهاية كان لابد لها أن تنتهي بشكل يخدم البناء والترابط الممتاز الذي صممه الكاتب منذ البداية، مما أفقد النهاية هويتها ومنطقيتها ووضح سرعة الكاتب في إنهاء حكايته لمجرد كونها تحتاج إلي نهاية وليس لكونها منتهي الأحداث أو لرحلة بطلنا بالفعل
ثانيا:
لم أري تحويل دفة الرواية في فصل الختام من رواية فانتازيا لرواية رمزية أمر صائب، وأنه كان لابد علي الكاتب الموازنة بين كون العمل رمزي وكونه فانتازي من خلال أهتمامه بذلك في بناءه الدرامي، فالأحداث لم تتماشي في فصل النهاية مع مذهب الرمزية، مما أوضح عدم منطقية النهاية مع الفصول السابقة وفي رأيي تلك هي مشكلة الرواية الوحيدة والتي كان من الممكن إنهاء الرواية ببعض الأحداث التي تجعل القارئ يستنتج رمزيات العمل دون كشفها بصورة مباشرة كما فعل الكاتب
12. اقتباسات من الرواية :
📌"من غرائب القدر أنه يجعلك ترى ما ينقصك في أكثر أوقاتك ضعفاً."
📌"الذاكرة رجل عجوز يعمل في مكتبة عملاقة، تطلب منه كتاباً؛ يبحث عنه طويلاً، ثم يناولك كتاباً آخر."
📌"السعادة لا تدق باباً يرفع صاحبه رايات الاستسلام، وجروح الحياة لا تتوقف عن النزيف من تلقاء نفسها، ولكنها تخجل من الذي لا يخيفه لون الدم."
📌"والكتب با صغيري مثل كافة الأشياء، من لا يعشقها قد يُشعلها ليدفئ يديه، ومن جرب أن يغوص بين صفحاتها وينهل من حكمتها وحده من يعرف قيمت ا ويراها أكبر الكنوز."