استمتعت حقًا بالغوص في صفحات تلك الرواية، واندمجت للغاية مع أسلوب كاتبها وطريقته الرائعة في السرد، لكن الغريب انني وبمجرد انتهائي من قراءتها، على الشجرة المقابلة للمكان حيث كنت اجلس ... رأيتُ غرابًا.
رواية: أرض الغربان
للكاتب: أحمد عصام الدين.
صادرة عن: دار كيان للنشر والتوزيع.
عدد الصفحات: 166 صفحة.
.
.
كتعاقب الفصول تتغير حيواتنا وشخصياتنا، وكذا تتغير أشكالنا وأعمارنا، وهنا في عالم روايتنا، تتغير ألوان الملابس.
يمكن تصنيف الرواية ووضعها ضمن فئة روايات الفانتازيا، والتي ومن وجهة نظري، أجادها الكاتب ببراعة واقتدار.
.
.
تبدأ حكايتنا مع بطل روايتنا (فارس)، والذي نتعرف على قصته من خلال مذكراته، تلك التي قذفها لنا البحر في بداية القصة منثورة على بعض من الأوراق، التي استطاعت النجاة من أمواج البحر العاتية بالاحتماء بداخل زجاجة، حتى التقطتها شِباكُ قاربنا.
نتعرف خلال رحلتنا مع المذكرات على فارس، حياته ومراحلها المختلفة، ما بين مشاكله العائلية، أحلامه وطموحاته وتطلعاته للمستقبل، وما بين الصراع القائم بداخله، كما ننهل من بحر حكمة جده (حكيم)، والذي بدوره يعتبره مثلًا اعلى يسير إثر خطاه، ويتخذ من وصاياه نهجًا ينتهجه في حياته.
.
.
غلاف الرواية:
جاء غلاف الرواية فاتنًا، يخطف عينيك من الوهلة الأولى، كما جاء معبرًا عن احداث الرواية بشكل كبير.
.
.
بالنسبة للسرد:
جاء السرد بالغة الفصحى الجيدة للغاية، استخدم فيه الكاتب أسلوب الراوي البطل والذي افضله بشكل شخصي في الكتابة او القراءة على حد سواء، كما امتاز الأسلوب بالسلاسة والبعد عن التكلف، فقدم التدرج البنائي للرواية بشكل ممتاز.
الحوار:
جاء باللغة العربية الفصحى أيضًا، اجاد الكاتب فيه بشكل كبير ويعتبر من نقاط قوة العمل، تبرز فيه معالم كل شخصية من شخصيات العمل بدون الحاجة لذكر اسمها.
.
.
شخصيات الرواية:
اجاد الكاتب رسم شخصياته على اختلافها وتباين أوقات ظهورها ومدي تأثيرها بداخل العمل، الا أن كل شخصية نالت القسط الكافي من الظهور ما يضمن لها أداء دورها المصمم لها بعناية في مجرى الأحداث.
بالطبع كان لشخصية (فارس) النصيب الأكبر من الأحداث، فضلًا عن كونه البطل الرئيسي لروايتنا، كان هو أيضًا الراوي، وهذا النوع من الرواة يزيد من اهتمام القارئ بالأحداث وتعاطفه معها، مما يجعلك تندمج مع شخصية الراوي وتتأثر بها حتى النهاية.
كما برزت أيضًا بعض الشخصيات الفرعية والتي تم تصميمها بعناية وبراعة، وعلى رأسهم شخصية الجد (حكيم)، صوت العقل الخاص بفارس، والذي ما لبث أن برز دوره بشكل أكبر وأوضع بتتابع فصول الرواية، وأصبح له دور مؤثر في سير الأحداث.
بالإضافة الى بقية الشخصيات الفرعية الأخرى والتي ورغم كونها فرعية، الا ان دور كل منها يكاد لا يقل أهمية عن دور البطل نفسه، مثل شخصية الأم والأب، شخصية تلك السيدة الجذابة، التي أجاد الكاتب وصفها بشكل مبهر، بالإضافة الى شخصية (حرية) وشخصية (خالد)، ودعنا لا ننسي ذلك العجوز المخيف جلاب الخير، او غريب الاطوار حامل الخريطة.
الوصف والأماكن:
رغم أن الأماكن التي تدور فيها الرواية قليلة ومحددة، فهي تدور في حدود ثلاث أماكن فقط، الشاطئ ومدينة الظلام ومنازل الشاطئ حيث يسكن فارس، الا أن الوصف الوافي لتلك الأماكن والتي قدمه الكاتب بشكل بديع، كون منها عالمًا كاملًا شديد الجمال، كنت أشعر كما لو كنت اسير رفقة فارس في تنقلاته من والى مدينة الظلام، واشتم رائحة اليود كلما اقتربنا من الشاطئ، وأشعر معهم بالتغير الحادث لضوء القمر وحالاته باختلاف الأشخاص، وبالطبع اسمع نعيق الغربان في كل مكان.
.
.
أحداث الرواية:
جاءت احداث الرواية سريعة ممتعة، تتميز بالتشويق والاثارة بفضل البناء التصاعدي الرائع للفصول حتى الوصول للحظة الذروة التي تشتعل عندها الأحداث، كما جاءت تنقلات البطل لتزيد هذه المتعة أضعافًا.
نهاية الرواية:
على الرغم من كونها أضعف فصول الرواية، والسبب في ذلك يرجع _ربما_ لرغبة الكاتب في وضع نهاية لروايته، على الرغم من انها كان يمكن أن تمتد قليلًا او على الأقل يمكن الاهتمام أكثر بفصل النهاية للمحافظة على القالب المتميز الذب تم بناؤه طوال زمن الرواية، الا ان النهاية كانت على وشك أن تعصف بهذا البناء تمامًا حين قضت على الرمزية التي نشأ على قواعدها عالم الرواية.
الا أنها لم تزجني بشكل كبير في نهاية الأمر، وان انتقصت من حماسي بعض الشيء.
.
.
بناءً على ما سبق نخلص الى أن رواية أرض الغربان من أكثر ما قرأتُ تميزًا في مجال الفانتازيا هذا العام، وانصح بها وبشدة للباحثين عن مغامرة لن تنسى.