وليس يشترط في إجادة الكاتب أن يطرق موضوعًا جديدًا لم يسبق إليه، بل كل موضوع صالح لأن يَكْتُب فيه ولو تداولته أقلام الكُتّاب من قبل، فمن مبدإ خلق الإنسان وهو يحب، ومن مبدإ خلق الأدب والحب موضوع للأدب، ومع هذا لم تنفذ مادته، ولا يزال الشعر والنثر والغناء والتصوير تستقى من منابعه، وتكرر أناشيده؛ ولكن لا يُعَد الكاتب في الموضوع المعاد مجيدًا إلا إذا أتى بجديد غاية الأمر أنه لا يشترط جدة الفكر، بل يكفي في ذلك جدة العرض. وأكثر الأدب من هذا القبيل أفكار مألوفة وآراء معروفة؛ ولكن الأديب يستطيع أن يصوغها صياغة جديدة حتى يخيل للقارىء من جودة الصياغة أنها جديدة الفكرة؛ بل إن الكاتب إذا كثرت آراؤه الجديدة خرج عن أن يعد أديبًا شعبيًّا أو أديب أمة، وصار أديبًا للخاصة لا يقوّم إلا في أوساط قليلة.
فيض الخاطر - الجزء الأول > اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الأول
اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الأول
اقتباسات ومقتطفات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الأول أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الكتاب.
فيض الخاطر - الجزء الأول
اقتباسات
-
مشاركة من Wafa Bahri
-
ذلك لأن الأدب إنما يعد صالحًا للأمة إذا كان مظهرًا تامًّا شاملًا صادقًا لحياتها الاجتماعية على اختلاف أشكالها، في جدها وهزلها، في صِبا أفرادها وكهولتهم وشيخوختهم، في آلامهم وآمالهم، في حياتهم اليومية، في البيت والمصنع ودور اللهو والتمثيل، في حياتهم السياسية وحياتهم الاقتصادية؛ فإذا استطاع أدب الأمة أم يملأ كل هذا الفراغ عُد أدبًا صالحًا كافيًا، وإلا لم يكف وحده.
مشاركة من Wafa Bahri -
لقد رجحت في المدنية الحديثة كفة المادية، فيجب أن نضع في الكفة الخفيفة روحانية كثيرة حتى تتوازن؛ ولكن ما هذه الروحانية التي نريد وضعها؟ هي أن يخفق القلب بحب الإنسانية كلها؛ فليس هناك أمة مستعمِرة وأمة مستعمَرة، وليس هناك أسود وأبيض، وليس هناك أصحاب رءوس أموال يتخذون الملايين خَدَمًا وعبيدًا.
هي أن يتجه من بيدهم زمام الأمور إلى الخير العام لا الخير الخاص.
هي أن تلغى الحدود الجغرافية، والحدود الجنسية، والحدود الوطنية، والحدود المالية ونحوها من حدود، ثم يكون المبدأ العام «الإنسان أخو الإنسان يكد ويعمل لخيره».
هي أن يكون مبدأ الإنسانية دينًا يُبَشر به ويعمل من أجله، وتحور مناهج التعليم وقواعد الأخلاق على حسبه.
مشاركة من Wafa Bahri -
لقد كانت الأسرة هي الوحدة، ثم كانت القبيلة، ثم كانت المدينة، ثم كانت أهلَ الدين الواحد، ثم كانت في المدنية الحديثة الأمة؛ ولكن في كل ذلك شقاء، ولا يمكن أن يسعد العالم حتى تأتي مدنية تجعل الإنسانية كلها هي الوحدة، وهي الغاية، وهي المثل الأعلى.
مشاركة من Wafa Bahri -
ثم تعال إلى الحياة الاجتماعية، ألست ترى معي أن خير الأمم من تألم للشر يصيبه، والضر يلحق به؟ وهل تحاول أمة أن تصلح ما بها إلا إذا بدأت فأحست بالألم؟ أوليس من علامة تماثل المريض للشفاء أن يحس بالألم بعد الغيبوبة؟ ثم من هو المصلح: أليس أكثر قومه ألمًا مما هم فيه؟ أوليس هو أبعدهم نظرًا وأصدقهم حسًّا! دعته رؤية ما لم يروا، وإحساسه ما لم يحسوا، أن يكون أعمق منهم ألمًا وأشد منهم سخطًا، فلم يسعه إلا أن يجهر بالإصلاح، وأن يتحمل عن رضى ما يصيبه من ألم؛ لأن ألم نفسه مما يرى بهم، أكبر من أي ألم يناله منهم؟ — وما الوطنية؟ أليست شعورًا بألم يتطلب العمل؟
مشاركة من Wafa Bahri -
إن شئت فتعال معي نبحث في عالم الأدب: أليس أكثره وخيره وليد الألم؟ أوليس الغزل الرقيق نتيجة لألم الهجر أو الصد أو الفراق؟ ذلك الألم الطويل العريض العميق تتخلله لحظات قصيرة من وصال لذيذ؛ وليس هذا الوصال اللذيذ بمنتج أدبًا كالذي ينتجه ألم الفراق. وإن الأديب كلما صهره الحب، وبرح به الألم، كان أرقى أدبا، وأصدق قولًا، وأشد في نفوس السامعين أثرًا. ولو عشق الأديب فوفق كل التوفيق في عشقه، وأسفه الحبيب دائمًا، ومتعه بما يرغب دائمًا، ووجد كل ما يطلب حاضرًا دائمًا لسئم ومل، وتبلدت نفسه، وجمدت قريحته، ولم يخلف لنا أدبًا ولا شبه أدب؛ ولو كان مكان مجنون ليلى عاقل ليلى لكان كسائر العقلاء — إنما فَضَّل المجنون؛ لأن نفسه كانت أشد حسًّا وأكثر ألمًا.
لولا علو همة المتنبي ما كان شعره، وما علو همته؟ أليست كراهية الحياة الدون، والألم من أن يُعَد من سَقَط المتاع، والتطلع لأن يكون له الصدر أو القبر؟ وعلى هذا المحور دارت حياته، ودار شعره؛ ولو نشأ قانعًا لما فارق بلدته، ولكان سَقَّاء كأبيه يروي الماء ولا يروي الشعر.
وما قيمة المعرِّي لولا ألمه من الفقر والعمى؟ لو كان غنيًّا بصيرًا لما رأيت لزومياته ولا أعْجِبْت بكلماته، ولكان إنسانًا آخر ذهب فيمن ذهب؛ إنما خلده ألم نفسه، وأبقى اسمه قوة حسه.
ولو شئتُ لعددتُ كثيرًا من أدباء العرب والغرب، أنطقهم بالأدب حينًا ألم الفقر، وحينًا ألم الحب، وحينًا ألم النفي، وحينًا ألم الحنين إلى الأوطان، إلى غير هذا من أنواع الآلام.
مشاركة من Wafa Bahri -
يظن الناس أن النظافة غالية، وأنها مرتبطة بالغنى، وهذا خطأ بين، فكم من غني قذر، ومن فقير نظيف؛ والأمر يتوقف على تعود النظافة أكثر مما يتوقف على المال، فليست النظافة أن تلبس أغلى اللباس، وأن تأكل أفخم الطعام، وإنما النظافة أن تلبس نظيفًا ولو كان أحقر الثياب، وأن تأكل نظيفًا ولو كان أحقر الطعام.هذه بديهيات أولية، ولكنا مع الأسف مضطرون أن نقولها.
مشاركة من Wafa Bahri -
وقد سئل مصور ماهر: كيف تمزج ألوانك؟ فقال: أمزجها بدم قلبي؛ وكذلك الأدب الحق، هو ما كان ذوب القلب.
مشاركة من Wafa Bahri -
القلب يؤسس العالم، والعقل يسكنه، والقلب يخلق الشيء، والعقل يغضبه سلي التاريخ: أليس أعظم بناة العالم قد امتازوا بكبر القلب، وصدق الشعور، وقوة الإرادة، أكثر مما امتازوا بسعة بسعة العقل وقوة الإدراك؟
مشاركة من Wafa Bahri -
القلب مركز العاطفة، والرأس مركز العقل، وما العقل لولا العاطفة؟ إن العقل أكثر ما ينفع للهدم، والقلب أكثر ما ينفع للبناء؛ إن القلب يؤمن والعقل يلحد، والقلب يحب، والعقل يحذر.
مشاركة من Wafa Bahri -
يموت القلب ثم يحيا، ويحيا ثم يموت. ويرتفع إلى الأوج، ويهبط إلى الحضيض؛ وبينما هو يساوي النجوم رفعة، إذا به قد لامس القاع ضعة، وهكذا يتذبذب في لحظة بين السماء والأرض والطول والعرض؛ وخير الناس من احتفظ برفعة قلبه، وسمو نفسه.
مشاركة من Wafa Bahri -
أيها الدعاة: كسروا قيثارتكم هذه التي لا توقع إلا نغمة واحدة بغيضة؛ واستبدلوا بها قيثارة ذات ألحان صنعها طَب بأدواء النفوس عليم؛ وأكثروا من ألحان تبعث الأمل، وتدعو إلى العمل، وتزيد الحياة قوة؛ ولا تُشَهرُوا برذيلة إلا إذا أشدتم بفضيلة، ولا تسمعونا صوت المعاول إلا إذا أريتمونا حجر البناء.
مشاركة من Wafa Bahri -
إذا سقط الفتى فأريته أن سقطته قابلة للعلاج، وأخذت بيده لانتشاله، كفر عن سقطته وعاد إلى حاله؛ وإن أنت أريته أن سقطته لا تغتفر، وأنه لم يصبح إنسانًا، استمر يسقط أبدًا — وكثير من الساقطين والساقطات لو أحسوا في الناس استعدادًا لقبولهم، وشعروا أنهم يفسحون لهم في صدورهم، لعدلوا عن سقطتهم، ونهضوا من عثرتهم.
مشاركة من Wafa Bahri -
صوتان لا بد أن يرتفعا في كل أمة ويجب أن يتوازنا حتى لا يطغى أحدهما على الآخر: صوت يبين عيوب الأمة في رفق وهوادة، ويستحث على التخلص منها والتحرر من قيودها، وصوت يُظهر محاسنها
ويشجع على الاحتفاظ بها والاستزادة منها. والصوتان معًا إذا اعتدلا كونا موسيقى جميلة منسقة تحدو الأمة إلى السير إلى الأمام دائمًا؛ هي موسيقى الجيش تبعث الرجاء والأمل، وتمني بالنصر والظفر؛ فإن بغى أحد الصوتين على الآخر كانت موسيقى مضطربة تهوش النفس وتدعو إلى الفوضى والارتباك؛ وإذا كان «الدور» في الموسيقى يكون منسجمًا كله، ويشذ أحد أصواته لحظة فيكون «نشازًا» يخدش السمع ويجرح النفس، فما ظنك «بدور» كله «نشاز»؟
مشاركة من Wafa Bahri -
والفنان ليس إلا معبرًا عن ذوق الأمة، والأديب ليس إلا الموقع للأصوات التي تستلذها الأمة.
مشاركة من Wafa Bahri -
وفي ظني أن الذين يبحثون في ترقية الفنون عامة من موسيقى ونقش وتصوير وأدب مخطئون كل الخطأ؛ لأنهم يحاولون أن يصلحوا النتائج من غير أن يصلحوا المقدمات؛ فليس الفنان في الأمة إلا صدى لذوقها العام، فإذا صح الذوق صح الفن وإلا فلا. ليس الفن والأدب من جنس النباتات التي تنبت من تلقاء نفسها، ولا هو مما يظهر مصادفة واتفاقًا؛ وإنما هو نتيجة لازمة لعوامل طبيعية.
مشاركة من Wafa Bahri
السابق | 4 | التالي |