اقتباسات من كتاب شركات أنشئت لتبقى؛ العادات الناجحة للشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر

وعلى هذا إذا لم تكن قد حددت ملامح أيديولوجية جوهرية

لشركتك بعد لأنك كنت في خضم تأسيس الشركة لا بأس بذلك، لكن

ً كلما وضعت الأيديولوجية مبكرا كان ذلك أفضل. في الواقع إذا كنت قد

خصصت وقتًا لقراءة هذا الكتاب فسنناشدك أن تخصص وقتً ً ا أيضا

لوضع أيديولوجية شركتك «الآن».

لم تبدأ جميع الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر رحلتها وهي تملك

أيديولوجية جوهرية واضحة امللامح، على العكس فعل قليلون ذلك.

باختصار تستطيع الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر أن

تتطور — وغالبًا ما تفعل — إلى مجالات جديدة أكثر إثارة، إلا أنها تبقى

مستظلة بهدفها الجوهري.

واستطاعت سوني أيضا التطور من صنع آلة طهي الأرز ووسائد

التدفئة البدائية إلى صناعة أجهزة التسجيل واملذياع الترانزستور وأجهزة

التلفزيون امللونة بتقنية الترينيترون وأجهزة تسجيل الفيديو وأجهزة

الاستماع املحمولة وأنظمة تصميم الإنسان الآلي، ومن يدري ماذا سيحمل

ً القرن الحادي والعشرون لسوني، إلا أن الشركة لم تتوقف يوما عن السعي

وراء هدفها املتمثل في الشعور بالسعادة املطلقة املنبثق عن الابتكارات

التكنولوجية العملية التي تبث «الشعور بالرضا الشديد وتحقق فوائد لا

يمكن حصرها ... وترفع من مستوى الثقافة في اليابان.

على نحو مماثل استطاعت ديزني التطور من إنتاج أفلام كرتون

دون املستوى، إلى إنتاج أفلام الرسوم املتحركة الروائية الطويلة وتقديم

نادي ميكي ماوس وبناء مدينة ملاهي ديزني لاند، إلى إنتاج أفضل الأفلام

من حيث الإيرادات وإنشاء مدينة يورو ديزني EuroDisney ،ومن يدري

ماذا سيحمل القرن الحادي والعشرون للشركة، إلا أنها لم تستغن قط

عن مهمتها الجوهرية وهي «إسعاد الملايين».

استطاعت موتورولا التطور من صناعة فواصل البطاريات بأجهزة

المذياع المنزلية إلى أجهزة المذياع بالسيارات ثم إلى صناعة التلفزيونات

املنزلية ثم إلى أشباه املوصلات والدوائر املتكاملة والاتصالات الخلوية

وأنظمة الأقمار الصناعية، ومن يدري ماذا سيحمل القرن الحادي

والعشرون لها، إلا أنها لم تتنازل قط عن سعيها املنشود «لخدمة املجتمع

بكل فخر بتزويده باملنتجات والخدمات ذات الجودة الفائقة والأسعار

المناسبة.»

ولن تنتهي بوينج أبدا من تقديم ابتكارات جديدة في عالم تكنولوجيا

ً الفضاء الجوي؛ فدائما ما سيحتاج العالم إلى شركات تتحلى بروح

الأسطورة تشاك ييجر.

مما لا شك فيه أن الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة النظر تسعى

باستمرار وراء هدفها لكنها قد لا تبلغه أو تحققه بالكامل، والأمر أشبه

بملاحقة الأفق أو نجم هاد. أدرك والت ديزني الطبيعة الخالدة واللانهائية

ً للهدف عندما علق قائلا:

ً «لن يكتمل مشروع ديزني لاند أبدا، ما دامت هناك مساحة

متبقية من الخيال في العالم.

«تخيل أننا انتقلنا جميعا فجأة إلى عام ٢٠٩١ ،سنجد الكثري

[من استراتيجياتنا وأساليبنا] قد تغريت وفقًا لتطورات لا يمكننا

توقعها الآن، لكن بصرف النظر عن التغيرات التي قد تطرأ على الشركة أثق بأننا سنجد شيئا واحدا ثابتًا كما هو — وهو أكثر

الأشياء أهمية على الإطلاق — ألا وهو الروح التي تجمع أفراد

شركة ميرك. ... بعد مرور قرن من الآن أعلم أننا سنتمتع بروح

الجماعة نفسها. ... أؤمن بذلك على وجه الخصوص لأن تفاني

ميرك في مكافحة المرض وتخفيف المعاناة ومساعدة الناس يعد

هدفًا أخلاقيٍّا، فهو يلهم العاملين إمكانية تحقيق أمور عظيمة.

إنه هدف أبدي سيقود أبناء ميرك لانتصارات عظيمة خلال

المائة عام القادمة.»

الهدف هو مجموعة الأسباب الرئيسية لتأسيس الشركة بعيدا عن كسب

المال وحده.

لم يجتمع هيوليت وباكارد ومريك وجونسون وواتسون للتساؤل «ما

القيم العملية التي ستضاعف رأس مالنا؟» أو «ما الفلسفة التي ستبدو

ُ منمقة وهي مطبوعة على الورق املصقول؟» أو «ما املبادئ التي سترضي

املجتمع املالي؟» لم يحدث هذا مطلقً ا، بل نقلوا ما كان يجول بخاطرهم

وشعروا به وآمنوا به حتى النخاع. كان الأمر طبيعيٍّ ٍّ ا جدا لهم كعملية

التنفس. لا يكمن الأمر فيما آمنوا به، بل في «مدى إيمانهم به» (ومدى

ً التزام شركاتهم به). مجددا نؤكد أن سر النجاح هو املصداقية، دون

اصطناع أو تكلف، املصداقية الخالصة فحسب.

أثناء تمحيصنا في سجلات شركة هيوليت-باكارد صادفنا البيان

الآتي لديفيد باكارد:

ً «حضرت اجتماعا يضم قادة الأعمال [عام ١٩٤٩ ،[وطرحت

أثناء الاجتماع فكرة أن العاملني في إدارة الأعمال لديهم مسئولية

أخرى خلاف تحقيق الأرباح للمساهمني. قلت إننا ... نحمل على

عاتقنا مسئولية تجاه موظفينا تتمثل في مراعاة كرامتهم كبشر،

وضمان إشراكهم في نجاح الشركة الذي أصبح بفضلهم حقيقة

ممكنة. كما أشرت إلى مسئوليتنا تجاه العملاء، وتجاه املجتمع

بوجه عام، لكنني اندهشت — بل صدمت — لعدم اتفاق أي

فرد من الحضور معي في الرأي، في حني كانت معارضتهم

بأسلوب مهذب تؤكد لي على نحو لا يقبل الشك أنهم متيقنون

ً أنني لست واحدا «منهم» وأنني بالطبع غري مؤهل لإدارة شركة

ذات شأن.

لم «يخطط» ديفيد باكارد وبيل هيوليت فلسفة هيوليت-باكارد

الخاصة أو «أسباب تأسيس الشركة»، بل كان لديهما قناعات راسخة

بالأسلوب «الواجب» اتباعه لتأسيس شركة واتخذا خطوات ملموسة للتعبري

عن هذه القناعات وتعميمها بحيث يتسنى الحفاظ عليها والالتزام بها،

كما آمنا بهذه املبادئ «بصرف النظر» عن مناهج الإدارة الشائعة في ذلك

الوقت.

لم يكتب روبرت دبليو جونسون الابن أيديولوجية الشركة من منطلق

نظرية فكرية تربط بني الأيديولوجيات والأرباح أو لأنه قد قرأ عنها في أحد

الكتب، بل كتب الأيديولوجية لأن الشركة جسدت بعمق املبادئ الراسخة

التي أراد أن يحافظ عليها. «آمن» جورج مريك الثاني إيمانً ً ا راسخا بأن

الدواء صنع للمريض، وأراد أن يؤمن كل شخص في الشركة باملبدأ ذاته.

على نحو مماثل وصف توماس جيه واتسون الابن القيم الجوهرية لشركة

آي بي إم بأنها «راسخة حتى النخاع» في والده، حني قال: «أما عن

والدي فقد كانت هذه القيم بمنزلة قوانني حياة ينبغي الحفاظ عليها

مهما كلف الأمر، وينبغي نقلها للآخرين والالتزام بها بدقة في الحياة

العملية.»

لا تحتاج القيم الجوهرية في الشركات ذات الاستراتيجيات بعيدة

النظر إلى مبرر منطقي أو خارجي، ولا تتغري بتغري الاتجاه السائد

أو الصيحات الجديدة، إلى جانب أنها لا تتبدل كاستجابة للتغريات

التي تطرأ على ظروف السوق.

«آمن» جورج مريك الثاني إيمانً ً ا راسخا بأن

الدواء صنع للمريض، وأراد أن يؤمن كل شخص في الشركة باملبدأ ذاته.

على نحو مماثل وصف توماس جيه واتسون الابن القيم الجوهرية لشركة

آي بي إم بأنها «راسخة حتى النخاع» في والده، حني قال: «أما عن

والدي فقد كانت هذه القيم بمنزلة قوانين حياة ينبغي الحفاظ عليها

مهما كلف الأمر، وينبغي نقلها للآخرين والالتزام بها بدقة في الحياة

العملية.»

لا تأتي الأيديولوجية الجوهرية بمحاكاة قيم الشركات الأخرى، حتى إن

كانت شركات ناجحة ذات استراتيجيات بعيدة النظر، ولا تنبع من اتباع

توجيهات آخرين من خارج الشركة، ولا تصاغ من قراءة كتب الإدارة،

ولا تنتج عن بذل جهد ذهني عقيم بهدف «حساب» أكثر القيم نفعية

ً أو أكثرها شيوعا أو أكثرها ربحية. تتمثل الخطوة الأساسية عند وضع

الأيديولوجية الجوهرية وتدوينها في التمسك باملبادئ الصادقة بحق، وليس

املبادئ التي تتخذها الشركات الأخرى كقيم لها أو الأيديولوجيات املثالية

من وجهة نظر العالم الخارجي.

إذا لم تتمكن من صنع منتجات خالصة ذات جودة عالية انتقل للعمل بمهنة

أخرى تتسم بالنزاهة، حتى وإن كانت تكسير الأحجار.»

جيمس جامبل