"كنت أشعر في هذه الأيام بضيق شديد فتناولت كتاب "ذكريات من منزل الأموات" فأعدت قراءته
. كنت قد نسيت كثيرًا منه، فلما أعدت قراءته أيقنت أن ليس في الأدب الجديد كله كتاب واحد يفوقه، حتى ولا كُتب بوشكين
! ليست النبرة هي الشيء الرائع فيه، بل وجهة النظر التي يشتمل عليها:
إنه صادق طبيعي مسيحي. إنه كتاب يعلّم الدين
. فإذا رأيت دوستويفسكي فقل له أني أحبه"
حسنًا أنا أغبط تولستوي وأحسده، على الأقل وجد من سيخبر دوستويفسكي بحبه!
في هذه الرواية، دوستويفسكي هُنا آخر
ليس كإنسان بالطبع، فما زال هو الروح التي لم أجد في إنسانيتها بعد!
وما زال شعوره بألم ومعاناة كل من حوله حتى الحيوانات، لم أرِ مثيله قط!
لكن دوستويفسكي هُنا مختلف كأديب، ربما لاختلاف طابع الرواية؛ فهي هُنا لا تعدو كونها مذكرات؛ ليست رواية ببداية وعقدة ونهاية كالروايات التي قرأتها له من قبل
وليس ها هُنا شخصيات هذيانية وأحداث غريبة الأطوار كما في السابق
ربما لأن المذكرات من صميم واقعه المرير، لم يُكن هناك ثمة مساحة كي يلهو الخيال بداخلها!
فقط الألم من كان يتحرك بحرية وكِبر ها هنا
لا سيما وصفه لحظات جلد البعض بالسياط، والمرض والموت.. إلخ
صدقًا لا أعلم لم قال دوستويفسكي أن مذكراته من منزل الأموات؟
أيّ أموات؟ قرأتها وأنهيتها دون أعلم إجابة السؤال؟
أراهم يفيضون حماسة، جنون، شغف حتى وإن كان هذا الشغف للحرية المسلوبة
يعملون، أعمال (أشغال) شاقة هذا من أجل السجن
ثم يواصلون العمل ليلاً، وهذا من أجل جمع مال خاص بهم
ثم ينفقونه، ثم يعملون، ثم يواصلون العمل...
يخترعون ويبتكرون أشياء للترفيه وتمضية الوقت (تمثيل مسرحية)، ولا بأس ببعض المشاجرات (جدّية وغير جدّية) لتمضية الوقت
هؤلاء يعيشون من أجل شيء ما (الحرية) وفي انتظاره يعملون، ولا يتوقفون عن العمل..
والله إننا نحن الأموات، نحن الذين نعيش في اللاشيء، نفعل اللاشيء، في انتظار اللاشيء، الذي لن يأتي بالطبع!
هذا بالتأكيد لا يعنيّ أن حياتهم في أفضل حال، السجن في كل الأحوال يظل سجنًا!
شعور لا يعلمه إلا الله، ومن مرّ به
لم تُسلب حُريتيّ من قبل، بأيّ شكل كان
لكن مجرد تخيل مصير كهذا يُفزعني، فماذا عن من مرّ به؟
اسأل الله أن يعفينا من مصير كهذا
تُرى من سيُخبر دوستويفسكي أنني أحبه؟
تمّت