و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
قالها لنفسه و هو يبتسم ثم التفت نحو زوجته:
أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.
أجل كان علينا ألا نترك شيئا
بلى. كان علينا ألا نترك شيئا. خلدون. و المنزل. و حيفا. ألم ينتابك ذلك الشعور الرهيب الذي انتابني و أنا أسوق سيارتي في شوارع حيفا؟ كنت أشعر أنني أعرفها و أنها تنكرني. و جاءني الشعور ذاته و أنا في البيت هنا. هذا بيتنا. هل تتصورين ذلك؟ انه ينكرنا! ألا ينتابك هذا الشعور؟
إنني اعتقد أن الأمر نفسه سيحدث مع خلدون. و سترين.
حتى الصورة صرنا لا نملكها
شعرت بفراغ مروع حين نظرت إلى ذلك المستطيل الذي خلفته على الحائط. و قد بكت زوجتي. و أصيب طفلاي بذهول أدهشني. لقد ندمت لأنني سمحت لك باسترداد الصورة. ففي نهاية المطاف هذا الرجل لنا نحن. عشنا معه و عاش معنا و صار جزءا منا. و في الليل قلت لزوجتي أنه كان يتعين عليكم إن أردتم استرداده أن تستردوا البيت. و يافا. و نحن .. الصورة لا تحل مشكلتكم. و لكنها بالنسبة لنا جسركم إلينا و جسرنا إليكم.
عاجزون! .. عاجزون!.. مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف و الشلل.
كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا. و إذا لم يكن ذلك ممكنا فقد كان عليكم بأي ثمن ألا تتركوا طفلا رضيعا في السرير. و إذا كان هذا أيضا مستحيلا فقد كان عليكم ألا تكفوا عن محاولة العودة .. أتقولون أن ذلك أيضا مستحيلا؟ لقد مضت عشرون سنة يا سيدي! عشرون سنة! ماذا فعلت خلالها لكي تسترد ابنك؟ لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذا. أيوجد سبب أكثر قوة؟ عاجزون! عاجزون! مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف و الشلل! لا تقل لي أنكم أمضيتم عشرون سنة تبكون! الدموع لا تسترد المفقودين و لا الضائعين و لا تجترح المعجزات! كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود. و لقد أمضيت عشرين سنة تبكي .. أهذا ما تقوله لي الأن؟ أهذا هو سلاحك التافه المفلول؟