اقتباسات أبو حامد الغزالي

ومن لم يعرف نفسه وهو يدَّعي معرفة غيره، فهو كالرجل المفلس الذي ليس له طعام لنفسه وهو يدَّعي أنه يقوت فقراء المدينة، فهذا محال.

احفظ حق الله عز وجل عليك في الدعاء، ولا تشتغل بحظك؛ فإنه أعلم بمصلحتك.

قال الله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر﴾؛ لأنه ذكرَك مع الغناء عنك، وأنت ذكرته مع الفقر إليه، فقال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. فيكون اطمئنانُ القلب في ذكر الله له، ووجلُه في ذكره لله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

وصاحب النية نفسُه منه في تعب، والناس منه في راحة، وليس شيء على المريد أصعب من حفظ النية

«مَن ظنَّ أنه بدون الجهد يصل فهو مُتمَنٍّ، ومن ظنَّ أنه ببذل الجهد يصل فهو مُستَغنٍ».

الحمد لله الذي أصعد قوالب الأصفياء بالمجاهدة، وأسعد قلوب الأولياء بالمشاهدة، وحلَّى ألسنة المؤمنين بالذكر، وجلَّى خواطر العارفين بالفكر، وحرس سواد العباد عن الفساد، وحبس مراد الزهاد على السداد، وخلَّص أشباح المتقين من ظلم الشهوات، وصفَّى أرواح الموقنين عن ظلم الشبهات، وقبِل أعمال الأخيار بأداء الصلوات، وأيَّد خصال الأحرار بأسدِّ الصلات.

‫أحمده حمد مَن رأى آيات قدرته وقوَّته، وشاهد الشواهد من فردانيته ووحدانيته، وطرق طوارق سِرِّه وبِرِّه، وقطف ثمار معرفته من شجر مجده وجوده.

‫وأشكره شكر مَن اخترق واغترف من

«بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحَج البيت من استطاع إليه سبيلًا».

وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: «عظ نفسك، فإن اتعظت فعِظِ الناس، وإلا فاستحي مني».

وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: «يا فلان… لا تُكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه فقيرًا يوم القيامة».

وقال الحسن البصري رحمه الله: «يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم».

‫من جملة ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله: «علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإنَّ امرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لَجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيرُه شرَّه فليتجهز إلى النار».

أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضًا، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحدًا، ورضيت بقسمة الله تعالى.

واعلم أن اللسان المُطلَق، والقلب المُطبَق المملوء بالغفلة والشهوة، علامةُ الشقاوة، حتى لا تَقتل النَّفس بصدق المُجاهدة لن يَحيا قلبُك بأنوار المعرفة.

‫أيها الولد

‫عِش ما شِئت فإنك مَيتٌ.

‫وأحبِبْ مَن شِئت فإنك مُفارقُه.

‫واعمل ما شِئت فإنك مَجزيٌّ به.

إذ قال صلى الله عليه وسلم حيث رأى أصحابه يخوضون، بعد أن غضب حتى احمرَّت وجنتاه: «أبهذا أُمرتم، تَضربون كتاب الله بعضه ببعض؟! انظروا ما أمركم الله به فافعلوا، وما نهاكم عنه فانتهوا».

فإن سعادة البهائم في الأكل والشرب والنوم والنكاح، فإن كنت منهم فاجتهد في إعمال الجوف والفرج.

‫وسعادة السباع في الضرب والفتك.

‫وسعادة الشياطين في المكر والشر والحيل، فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم.

‫وسعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية، وليس للغضب والشهوة

قيل لداود الطائي: ما لك لا تخالط الناس؟ فقال: كيف أخالط مَن يتبع عيوبي، كبيرًا لا يعرف الخلق، وصغيرًا لا يُوقِّر، من استأنس بالله استوحش من غيره.

رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».

والله يرحم عبده، ويكرم ضيفه، ويعطي سائله، ويَبرُّ المُعرِض عنه، فكيف المقبل إليه؟

فلا تفضح أحدًا من خلقه بعيب تعلمه منه، واشتغل بعيب نفسك فاستره بدوام الاضطرار إلى الله تعالى في تطهيره، فإن العبد إذا نسي ذنبه كان ذلك عقوبة له، وازداد به جرأة على المعاصي،