اقتباسات أبو حامد الغزالي

أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضًا، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحدًا، ورضيت بقسمة الله تعالى.

‫أيها الولد

‫ولو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدًّا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾

وإن ابتُليت بهذا العمل، فاحترز عن خَصلتين: الأولى: عن التكلُّف في الكلام بالعبارات والإشارات والطَّامات والأبيات والأشعار؛ لأن الله تعالى يُبغض المُتكلِّفين، والمُتكلِّفُ المتجاوزُ عن الحد يدل على خراب الباطن وغفلة القلب.

‫وهو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى، ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمَّتهم.

وحسن الخُلق مع الناس: ألا تَحمل الناسَ على مراد نفسك، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾، فعلمت أن رزقي على الله تعالى وقد ضَمِنه، فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه: «اعمل لدنياك بقدر مُقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها»».

وقال أيضًا: «إذا كان أولُ الليل يُنادي مُنادٍ من تحت العرش: «ألَا لِيَقم العابدون»، فيقومون ويصلون ما شاء الله. ثم ينادي مُنادٍ في شطر الليل: «ألَا لِيَقم القانتون»، فيقومون ويصلون إلى السَّحر. فإذا كان السَّحر ينادي مُنادٍ: «ألَا لِيَقم المستغفرون»، فيقومون ويستغفرون. فإذا طلع الفجر ينادي مُنادٍ: «ألَا لِيَقم الغافلون»، فيقومون من فُروشهم كالموتى نُشروا من قبورهم».

قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى: صوت الدِّيك، وصوت الذي يقرأ القرآن، وصوت المستغفرين بالأسحار».

ودليل الأعمال أكثر من أن يُحصى، وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه، ولكنْ بعد أن يستعد بطاعته وعبادته؛ لأن رحمة الله قريب من المحسنين.

‫«بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحَج البيت من استطاع إليه سبيلًا».

اعمل أنت بما تعلم؛ لينكشف لك ما لم تعلم.

ما قُدِّر لك سيصل إليك لا محالة، وإن اجتهد كلُّ مَن في العالم على صَرْفه عنك. وما لم يُكتب لك لن يصل إليك، وإن ساعدك جميع العالم.

ما قُدِّر لك سيصل إليك لا محالة،

سَهَرُ العُيونِ لِغَيرِ وَجْهِكَ ضَائعٌ

‫وبُكاؤهُنَّ لِغَيرِ فَقْدِكَ باطِلٌ

من جملة ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله: «علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإنَّ امرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لَجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيرُه شرَّه فليتجهز إلى النار».

‫واقبَل نصيحة الخَضِر عليه السلام حين قال: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾، ولا تستعجل حتى تبلغ أوانه يُكشف لك، وَتَرَهُ: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾، فلا تسألني قبل الوقت، وتيقَّنْ أنك لا تصل إلا بالسَّير لقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾.

‫اعمل أنت بما تعلم؛ لينكشف لك ما لم تعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عمل بما علم ورَّثه الله عِلمَ ما لم يعلم».

‫قال سفيان الثوري رحمه الله: «إن لله تعالى ريحًا تَهُبُّ بالأسحار، تحمل الأذكار والاستغفار إلى المَلِك الجبار».

يقول الله تعالى: ما تَصنع لغيري وأنت محفوف بخيري! أمَا أنت أصمُّ لا تسمع؟!».