اقتباسات بسمة عبد العزيز

«الداءُ في استعبادِ البريَّة والدواءُ في استردادِ الحُريَّة»؛ فإذا كَسَرَ العبدُ القيدَ؛ ارتعد السيدُ وسقط عنه قناعُ الاستبداد وزال.

يُجسّد حصار غزَّة مَثَلًا حَيًّا على فاعلية المُقاوَمة، وصلابة المُحاصَرين الذين تُكالُ لهم الاتهاماتُ من كُلّ جانب؛ العدوّ الثابتِ يسبقُه القريب. بعضُ الناسِ تزدهر لديهم رغبةُ الحياة ما خاضوا الأهوالَ، وتتكرَّس في نفوسهم إرادةُ الاستمرار ما تكالبت عليهم الطعناتُ؛ لا يفتُّ في عضدهم بُؤسُ الحال، ولا تُرجِعهم عن خَطوِهم عثرةُ طريقٍ أو خيانةُ رفيق. يعاني أهلُونا في مناطق متعددة حصارًا ضاريًا لا يملكون منه فكاكًا؛ وهم بدورهم صامدون، وصمودهم مُربِك لمَن يخشى وجودَهم، مُؤرق لمَن يريد إقصاءَهم.

وَلا تُهِنَ الفَقيرَ عَلَّكَ أَن

‫ تَركَعَ يَومًا وَالدَهرُ قَد رَفَعَه

فَجَائِعُ الدَّهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ

‫ ولِلزَّمان مَسَرّاتٌ وأَحزانُ

لمفهوم «الفضيلة» في الفلسفة تعريفاتٌ عدة، هو في أبسطِها وأقدمِها؛ أن يعلمَ المرءُ مَواطِن الخير وأن يعملَ بها

والحقُّ أن للعربيَّة الفصحى والعاميَّة المِصرِيَّة أطرافًا مُترامِية، إذ هما قادرتان على التفاعُل والتجَدُّد بغيرِ حدود

مِن الفضائل الأثيرة التي شارفت على الاندثار في أيامنا هذه؛ فضيلةُ الصَّمت. الصمتُ في العادة مَصحوب بالإنصات، وكلاهما يزكّيان التأملَ ويحرضان على المَعرفة، ومنهما ينبع الإدراكُ وتتجلَّى لحظاتُ الاستنارة الصافية،

باجتماع الكلماتِ والعبارات؛ تتخلَّقُ المعاني، وما بين الغَفلاتِ والصَّحوات؛ تمضي الحياةُ وتتشكَّل البَصائر وتتوَالد السؤالات. تقع الأحداثُ فتجد بعضَ الأحيان من يتروَّى أمامها ويتأملها، كما تجد من يُشيح الوَجه عنها، ومن يُفاخِر بها ومن يَخجل منها، تجد أيضًا من يُسارع إلى تسجيلها؛ حتى إذا انقضى زمنها عاشت من بعده أزمنة.

❞ فذكرتُ الضحية في المواضع التي يختلج فيها الشخص بدنًا وروحًا تحت وطأة آلامٍ تُفقِدُه السيطرة وتُعجِزُه عن الفعل، واستخدمتُ «الناجي» و«الناجية» في المقاطع التي جلَّلتها فكرة المقاومة والصمود، وإن أفلتت مني كلمة «الضحية» في غير مكانها مرَّة أو مرات فعذرًا، ❝

إن تمزق الرابطة التي تجمع شخصا بآخر، أو بكيان يمثل في مخيلته مصدرا للعدل والحماية والأمان إنما يصيبه بالارتباك، ويجعله مشوشا ازاء المعايير التي يعتمد عليها في رسم عالمه الخاص، وربما يقوده إلى فقدان الثقة في قدرته الخاصة على تقييم الأشياء والأشخاص، وفي كل الأحوال كلها تتضاءل ثقته في المجتمع وفي الأشخاص المحيطين به والمقربين منه...

مرات… أكون قد تغلبت على خوفي..؟ أحرز تقدما..؟ قد أقول لا أعرف وقد أكذب على نفسي لأرى من أحب في حال جيد وأستقبل منه النداء… ترى هل انتهى تاريخ صلاحيتي الآن؟

ويؤكد بعض العلماء قياسًا على ما سبق، أن كم التعذيب في حد ذاته، لا يعبر تعبيرًا حقيقيًا ودقيقًا عن الأثر الذي سوف يتركه في ضحاياه، وأن حال الضحية النفسية؛ من حيث المقاومة ورد الهجوم من ناحية، أو الاستسلام وإعلان الهزيمة من ناحية أخرى، هي التي تصبح أكثر حسمًا فيما بعد، فكلما قاوم الشخص وناضل، ورفض الانكسار، تحسنت استجابته الجسدية، حتى وإن تعرض إلى تعذيب مضاعف.

يهدف التعذيب إذن إلى اقتناص الروح والعقل عبر الجسد، ويرغب الجلاد في العثور على دلائل قوته بين صرخات ضحاياه، ويأمل أن يرى في ملامحهم أمارات الخوف والخضوع

يرى الدارسون لتاريخ التعذيب ومراحل تطوره أن أهدافًا مثل العقاب، أو الحصول على معلومات واعترافات من الضحية ليست بالمقاصد الأساسية من وراء التعذيب في عصرنا هذا، وأن ثمة أغراضًا أخرى أكثر عمقًا تكمن وراء الفعل، كتحطيم الأشخاص الأقوياء الثابتين على مبادئهم، وتدمير هوياتهم، وجعل هؤلاء الأصحاء المتفاعلين مع المجتمع والمحركين له ضعفاء محملين بالآلام وبأوجاع التعذيب المزمنة، وغير صالحين لممارسة أدوارهم

من المفكرين من تطرق إلى مفهوم التعذيب من الناحية الفلسفية البحتة، فوصفه في إطار العلاقة السلطوية القائمة بين النظام والمواطنين، ورآه انعكاسا طبيعيا لفشل السلطة-أي سلطة- في فرض سيطرتها على الأفراد، بصورة ناعمة وسلسة/ الأمر الذي يضعها مباشرة أمام باب وحيد للوصول إلى عقولهم وذواتهم والتحكم فيها، هذا البا هو تعذيب الجسد وامتهانه

ومن عجب أن التقدم الفكري والحضاري الهائل لم يؤد إلى القضاء على التعذيب نهايئًا، وكذلك لم تفعل المفاهيم الحديثة التي أعلت من شأن حقوق الإنسان عامة، وجرمت التعذيب خاصة

ظل التعذيب رغم تعدد الأغراض، يعكس الرغبة في السيطرة على جسد الآخر وامتلاكه، كمدخل رئيس للسيطرة على عقله وأفكاره، وتصرفاته، ومعتقداته الخاصة

تعددت أغراض التعذيب وتطورت، فبدأت من فكرة " اختبار المتهم" ومرت بعملية "العقاب" وكذلك بمفهوم "التطهر" ثم وصلت أخيرًا إلى غاية "الردع" مرورًا برغبة "الاستئثار بالقوة والمال" وقد ظل التعذيب رغم تعدد الأغراض، يعكس الرغبة في السيطرة على جسد الآخر وامتلاكه

التعذيب في حاضرنا هذا يطال الجميع، بل إن التنكيل بالنساء يكون في بعض الأحيان أقدر على حمل رسائل الجلاد إلى الآخرين، فلا خطوط حمراء ولا تقاليد وأعراف تبقى محل احترام، وما من شفاعة لشيخ أو امرأة أو حتى طفل