اقتباسات طارق إمام

«إذا أردت الانتقام من ألد أعدائك، دعه يحيا». هكذا تركت لديَّ الحياةُ بعضَ حكمتها. لم أعرف شخصًا قبل ذلك عاقَبَه الموت.. بينما أستطيع أن أُحصي لك عشرات، بل مئات.. آلاف.. ملايين الأشخاص ممن تكفَّلت بهم الحياة.

ترك الرجل مخطوطه الدمويَّ المقدَّس، كتابه الذي ظنَّه ذات يومٍ سريًّا. كما ترك نسلًا كثيرًا في أرجاء المدينة، أبناءً وأحفادًا يحملون وجهه، عينيه الملونتين وصوته المبحوح. جميعهم قتلة متوحِّدون، غارقون في منامات خطرةٍ مثله، لا يرون وجه الله سوى بعيون مغلقة.

أقف الآن في شرفة طابقها الثالث والعشرين. أراقب الصباحَ من خلف النوافذ بوجهٍ غائبٍ، يفتش في البيوت البعيدة عن بقاياه ربما أتطلَّع أيضًا للطائرات الورقية التي تصطدم كل لحظاتٍ بالواجهة، لتخدش ـ في كل مرة ـ قطعة جديدة من جسدها .

وخذ بقيةَ ما أبقيتَ من رَمَقٍ

‫ لا خيرَ في الحُبِّ إن أبقَى على المُهَجِ

‫ ابن الفارض

«إذا فشلتِ في الزواج من رجل تحبينه.. فتزوجي من رجل تكرهينه.. لكن إياك والزواج من رجل لا تحملين له مشاعر خاصة.. لأن يومًا سيأتي عليك لتكتشفي أنك لا تملكين في حياتك ما يصلح للتذكر».

لم يعرف القاهرة من لم يُطل عليها من شرفة تصلح لسقوطه.

وكثيراً ما فكَّر أن الإنسان بحاجة دائماً لمَنْ يجرِّده من أقرب ما ينتمي له، سواء كان الفاعل قاتلاً أو إلهاً، وبعدم العثور عليه، أو بتأخُّره في المجيء، فإنه يبدأ بنفسه تصفية مَنْ يحبُّ وقد كان أوريجاً طفلاً عندما قتل أباه،

كنت فكرت أن ثمة أماكن تجبر المتواجدين فيها على أن يصبحوا متشابهين، وصدقت دائما أن كل من يعبر بوابة مستشفى، يتحول تلقائيا إلى مريض.

الحرب تدار في غرف، ويختبئ منها الناس في غرف أيضًا. لا أحد يرى الحرب إذن، ومن يراها لا يستطيع أن يحكي عنها، لأنه حتى إن لم يمت فإنه لن يحيا.

كما لو أن صراعًا غير مرئي يدور خلف شفتيها.. ويكفي في هذه الحالة أن تبتسم، لتدمر حياتك. (كانت هناك امرأة على هذا النحو ذات يوم، إنني أتذكر!).

هنا هواءُ قصائد.

لم يكن يخشي الموت قدر ما كان يخشي الحياة

الخلود وهمٌ قاسٍ.

الأطفال وحدهم يستطيعون ملاعبة الموت وخداعه ..ولكن عقابهم أنهم حين يشيخون يخاصمهم الموت .. يتركهم مُعذبين يتمنون التفاتة واحدة منه دون أن يعبأ بهم .. بل إنه إمعاناً في إغاظتهم يحصد أرواح الشباب والأطفال أمام عيونهم الميتة.

ولأنه جرب الموت في أماكن كثيرة ، لم يعد يخشاه ، بل تمناه في وطنه ، لأنه شعر بالخجل من أن يموت في كل البقاع ما عدا سريره.

ستبدأ عاجزاً في محاولة القراءة وسيمر وقت طويل قبل أن تجد السطور تضئ أمام عينيك والصفحات تُدار بنهم.

الكتب المكتظة بالمكتبة ليست سوي نُسخاً لانهائية منه ، وتلك الموزعة بإهمال علي كل الجوانب هي أيضاً نسخ منه.

الحرب تُدار في غرف ويختبئ منها الناس في غرف أيضاً.

لا أحد يري الحرب إذن، ومن يراها لا يستطيع أن يحكي عنها لأنه حتي إن لم يَمُت ، فإنه لن يحيا.

كان يبدوا الآن شيخاً متوحداً مندهشاً بعض الشيء ، لكن بعينين ميتتين لرجل لم يعد يملك إلا الذكريات. بالأمس تجول كثيراً في المدينة ، حاملاً الكاميرا الفوتوغرافية العتيقة. التقط صوراً كثيرة وبتحميضها وجد نفسه يواجه مدينةً أخري ، بالأبيض والأسود .. ولأنه لم يعد يندهش ، فقد خمَّن أنه صوَّر ما أراده وليس ما رآه.. وصدّق ذلك باستسلام ، كأن عدسة الكاميرا المُصمتة لم تكن سوي عينية.

يعرف لحظات الحب المختلسة تلك .. يعرف الوردات المدفونة في صفحات الكتب المدرسية والصور الفوتوغرافية الموقعة بإهداءات وجلة ، تنام في أعماق الحقائب وحافظات النقود ، تحت الوسائد وفي عتمة الأدراج .. يعرف هؤلاء الذين لايزالون يصنعون ذكريات مزدحمة قد تعينهم علي أيام وحدة طويلة قادمة ، يفعلون ذلك دون وعي منهم .. مازالت الدنيا واسعة كالبحر.