رواية فراغٌ لن يملأه أحد للكاتبة رنيا بيومي، عن دار أكتب للنشر والتوزيع.

عدد الصفحات 274صفحة.

العائلة هي التربة الأولى التي يغرس فيها الإنسان جذوره، وهي أول يد تمتد لتقيمه حين يتعثر، يتفتح الإنسان بقدر ما يتلقى من حب واحتواء، فإذا غُمر بالحب نشأ ثابتًا وقويًا، وإذا أهمل أو جُرح أصبح هشًا أمام مصاعب الحياة، العائلة لا تحدد فقط بداية الحكاية، بل ترسم مسار الرحلة كلها.

❞ على الرغم من أني قضيت حياتي كلها أخوض معارك لا تنتهي، وأخرج منها منتصرًا مرة ومثقلًا بالجراح مرة أخرى، فإن هناك معركة واحدة كنت دائمًا أعلن فيها هزيمتي الكاملة دون أدنى مقاومة ❝

تدور الرواية حول نبيلة، الفتاة التي نشأت في ظل أب غائب بمشاعره قبل أن يغيب بالحضور وأم قوية وصارمة حاولت سد هذا الغياب، منذ طفولتها ظهر كمال الطفل الشجاع والغامض الذي زرع في قلبها حبًا بريئًا قبل أن يختفي فجأة ويعود في شبابها بخطبة حلمت بها طويلًا لكنها اكتشفت أنها كانت تستند إلى وهم، اكتشافها لإعاقة كمال فقدانه لساقه واستخدامه ساقًا صناعية ولم يخبرها أحد هي أكتشفت بنفسها، فربطت نبيلة هذا الاكتشاف بكونه اختبارًا لمشاعرها، فوافقت أن تخوض هذا الاختبار عن قناعة أنه أختبار من الله لها.

كان فقدان ساق كمال الشرارة التي كشفت عن هشاشته النفسية العميقة لم يكن ضحية حادث مأساوي غير مفهوم بالنسبة له بل كان شخصًا استسلم لدور الضحية، وعجز عن التعافي وبناء نفسه من جديد لم يقاوم نقصه بشجاعة، بل أغرق نفسه ومن حوله في شعور دائم بالعجز، مستغلًا تعاطف الآخرين للبقاء بأسلوبه الأناني وجفائه، كسرت شخصية كمال صورة الضحية المعتادة، فلم يكن مظلومًا بقدر ما كان ظالمًا لنفسه ولمن أحبوه، نقل شعور النقص إلى نبيلة، وخلق داخلها فراغًا عاطفيًا عميقًا لم تستطع تجاوزه، وعلى الرغم من معاناة نبيلة لم تكن ضحية كاملة، فهي اختارت الاستسلام بدورها صمتت حين كان عليها أن تتكلم، ورضخت بدلًا من أن تختار اختارت أن تعيش حياة بلا روح وزواجًا بلا دفء، وأورثت بناتها داليا ودينا فراغًا أكبر مما ورثته هي من الحياة، كبرت البنتان وسط بيت يسكنه الصمت بين أب غائب وأم حاضرة بالجسد وغائبة بالروح نبيلة ظلت تظن أن الحب يعني الفداء والصبر، دون أن تدرك أن القوة الحقيقية في المواجهة والتغيير الفراغ الذي حملته نبيلة انتقل إلى بناتها، كمرآة مكسورة تعيد نفس التشوهات أجيال تبحث عن الحب والقبول في أماكن لا تمنحه، وتعيش بجوع عاطفي لا يُروى أحد.

كُتبت الرواية بلغة قوية وعاطفية تلمس مشاعر القارئ، السرد اعتمد على مشاعر الشخصيات أكثر من الأحداث، فكان مليء بالمشاعر وعلى الرغم من جودة اللغة وعمق المشاعر إلا أن التركيز الكبير على الجانب الشعوري فقط للشخصيات الأساسية وذلك قد يجعل القراءة بطيئة لمن يفضل حبكات أكثر ديناميكية.

الرواية تقدم قصة جيدة من حيث الجودة الأدبية، غير أن الهدف الذي تناقشه والفكرة التي تنطلق منها ليسا جديدين تمامًا، فقد تم تناولهما بصور شتى في أعمال سابقة وليس في هذا انتقاص من قيمة الهدف، بل توضيح أن الأصل ليس بالضرورة أصيلًا.. وما يميز العمل هنا هو قدرته على جمع حبر كلماته من بيوت كثيرة نشأ فيها أناس شتى، فكان السرد حيًًّا حقيقياً مليئًا بالتفاصيل التي قد تكون في منازل العديد من الناس، وطالما أن تلك المشكلات لا تزال قائمة في البيوت فإن الأقلام لن تكف عن الكتابة عنها، حتى يدرك الناس أهمية الحب والتفاهم والمودة وأهمية التعبير عن المشاعر، كي لا تتحول البيوت إلى أماكن يملؤها الجفاء، وتُترك الأبناء تائهين يبحثون عن الحب خارجه..

اعتمد السرد بشكل كبير على المشاعر والمواقف بطريقة عاطفية بحتة، وذلك جعل صوت الشخصيات سواء النسائية أو الذكورية، متقاربًا في شدة العاطفة لكن الفرق هنا أن صوت الرجل عاطفيًا بطريقة أنانية، متمركزًا حول ذاته ومأساته الخاصة بعكس الصوت الأنثوي الذي حمل عاطفة أعمق تجاه الآخرين، لكن في النهاية السرد العاطفي والقصة كانت متمركز مع عنوان الرواية وفكرتها الأساسية حول الفراغ الذي لن يملأه أحد.

استمتعت بقراءة الرواية والغوص في تفاصيل الشخصيات وكأنني أعيش معهم، أسلوب السرد العاطفي جذبني، وشعرت بصدق المشاعر على الرغم من أن هذا النوع من الروايات ليس الأقرب إلى ذوقي، ولا أنكر أن الرواية كُتبت بطريقة أدبية جيدة وأسلوب رقيق استطاع أن يلامس المشاعر بصدق وهدوء.

#فراغ_لن_يملأه_أحد

#بسمة_الجمل