من صندوق الدنيا > مراجعات كتاب من صندوق الدنيا > مراجعة راضي النماصي

من صندوق الدنيا - بلال فضل
تحميل الكتاب

من صندوق الدنيا

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

منذ صفحاته الأولى، يختار بلال فضل أن يترك الباب مواربًا، كأنه يدعو القارئ إلى التلصص معه من فتحة صغيرة على عالم واسع، متداخل، تحكمه قوانين غير مكتوبة، وتتشابك فيه السياقات التي لا تُروى بوضوح. فكتاب “من صندوق الدنيا” لا يُقدَّم على أنه مجرّد مجموعة من الرحلات العابرة بين المتاحف والمسارح والشاشات، بل يظهر من خلاله سعيٌ تأمّلي للقبض على ما وراء هذه التجارب، والبحث عن المعنى الكامن في تفاصيلها.

يفتتح الكاتب عمله بإيقاع دافئ، حيث يتقاطع الحنين الطفولي مع إدراكٍ ناضج لمعنى الصورة وطرائق تلقيها. فمن خلال شلال رآه في لعبة قديمة، يعود القارئ معه إلى لحظة أولى، لم تكن فيها الرؤية سوى مدخل للتخيّل، ولم تكن الصور سوى بوابة إلى عالم آخر. ذلك التمهيد لا يأتي بغرض الحنين فقط، بل يؤسس لنبرة الكتاب كلها: نبرة الاكتشاف المتأني، الذي لا يعرض الأشياء كما هي، بل كما تتكشف لمن يتأملها عن قرب.

في كل نص من نصوص الكتاب، يقدّم بلال فضل تجربة مشاهدة أو زيارة، ثم ينطلق منها إلى أسئلة ثقافية وفنية تتجاوز إطار العرض أو الفيلم أو المعرض، دون أن يبتعد عن اللحظة الأصلية التي انطلقت منها الفكرة. الجمل تأتي مشغولة بعناية، والأسلوب يتسم بالسلاسة والعمق في آنٍ واحد، حيث يزاوج الكاتب بين الرصد والتأمل، دون أن يُثقل النص بالتنظير، أو يُخفّفه إلى حد التبسيط.

يتنقل “من صندوق الدنيا” بين أعمال فنية مختلفة، من عروض الأوبرا إلى أفلام سينمائية ومعارض فنية، ويعرضها بلغة توازن بين الانطباع الشخصي والمعرفة الواسعة. ولا يكتفي الكاتب بسرد الوقائع، بل يمنح لكل عمل مساحة من التأمل، فيبني بذلك علاقة خفية بين النصوص، دون أن يُصرّح بها. ومن هذا الربط غير المباشر، تنشأ وحدة داخلية دقيقة، تجعل القارئ يشعر بأنه أمام تجربة متكاملة، لا مجموعة متفرقة من المقالات.

الأسلوب في “من صندوق الدنيا” ليس مجرّد وسيلة للتوصيل، بل هو في حدّ ذاته عنصر من عناصر المتعة. فالجمل مشغولة بإيقاع خاص، تتخللها لمسات من الطرافة، دون أن تخرج عن وقارها. وتأتي الإشارات محمّلة بالمعنى دون تصريح، تاركة للقارئ فسحةً واسعة للتفسير والانفعال.

“من صندوق الدنيا” عمل يُحتفى فيه بالفن كنافذة على العالم وإن عُلم وجود النجار، وبالتجربة الثقافية كمدخل للتأمل ولو كان عرضة في لحظة ما للمواربة أو حتى التمويه. وبلال فضل، بأسلوبه الذي يجمع بين الدقة والدفء والخلط المحبب بين الفصحى والعامية (بتحية تجدد للسعدني وحقّي)، يقدّم نصوصًا تُقرأ برويّة، وتُستعاد أكثر من مرة. إنه كتاب لا يسعى إلى الإدهاش، بل إلى الإصغاء، ولا يطلب من قارئه سوى أن يُنصت بصدق، ويترك للصور أن تقول ما لا يُقال

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق