اسم العمل : فراغ لن يملأه أحد
للكاتبة : رانيا بيومي
دار النشر: دار اكتب للنشر والتوزيع
عدد الصفحات :343 علي تطبيق Abjjad | أبجد
سنة الأصدار : 2025
رواية “فراغ لن يملأه أحد” تأخذنا في رحلة داخل بيت مصري بسيط من حقبة الستينات والسبعينات، زمن عاصرناه من خلال حكايات أهلنا، بزمنه الدافئ، بجيرانه المتحابين، وبأدوار النساء التي كانت تبدأ بالتضحية ولا تنتهي. لكنها تكشف لنا، ببطء مؤلم، عن الفراغات التي تشكّلت في القلوب تحت هذا السقف، حيث الصمت و عدم التعبير عن المشاعر والذي كان هو اللغة المشتركة.
الرواية تناقش مفهوم الغياب، ليس فقط الغياب الجسدي، بل غياب الحضور العاطفي. نتابع حياة عائلة تتكون من أربعة أصوات، أربعة وجوه، وأربعة جروح. كل شخصية تحكي وجعها وحدها، وكأن لا أحد يسمع الآخر. لكنها، رغم هذا الانفصال، تمس شيئًا في داخلنا جميعًا.
**تحليل الشخصيات**
-**كمال…
رجلٌ لم يعرف الحنان أبداً.
فقد والده في طفولته، فحُرم طعم الأمان والاحتواء، وربما لهذا عاش عمره كله بنصف مشاعر، وبعد الحادث اصبح بنصف قدم، ونصف حياة.
حتى نجاحه المهني لم يكن إلا محاولة لتعويض شعوره بالعار والنقص، هروبًا مستمرًا من عجزه، من ساقه الصناعية التي لم تكن مجرد جزء مفقود من الجسد، بل كانت تمثّل كل ما لم يُمنح له في طفولته من دفء واعتراف.
لم يكن قاسيًا بطبعه، لكنه لم يتعلّم كيف يكون حنونًا.
فـ “فاقد الشيء لا يُعطيه”… لا لأن قلبه خاوٍ، بل لأنه لا يعرف كيف يُعطي ما لم يتلقَّه يومًا.
-**نبيلة…
امرأة تنتمي إلى جيلٍ كانت فيه المرأة تُربّى على الصبر وكتمان الرغبات.
كانت أماً صبورة، زوجةً تحتمل ولا تسأل، تحبّ في صمت، وتنتظر دون رجاء.
نبيلة تشبه أمهات كثيرات من هذا الجيل، لم يكن لهنّ الحق في التعبير أو حتى التذمّر، فكبر الحزن في صدورهنّ دون لغة، وصار العتاب رفاهيةً لا مكان لها.
كانت ترى زوجها يبتعد، يتقوقع في عالمه، لكنها لم تملك إلا أن تظل إلى جواره، تخدمه وتدعمه … دون مقابل يُذكر
و كانت التراكمات نتاج كل موقف صغير يتخزن بداخلها دون تفسير، كل لحظة لم يُقال فيها ما يجب، كان كحجر يُلقى في صندوق مغلق، حتى امتلأ الصندوق، وانفجر التعب في الجسد ذاته: بمرض خبيث، واستئصال، ووحدة عميقة في مواطن الانوثة.
-**دينا:
الابنه الكبري ، كانت تحاول منذ طفولتها أن تملأ الفراغ بالنجاح.
اجتهدت كثيرًا فقط ليلاحظها والدها و يحبها.
تحوّلت إلى أمّ صغيرة لأمها، ورفيقة لصمتها، حتى زواجها كان انعكاسًا لرغبتها في كسر نسخة أبيها.
-**داليا:
الأصغر، الرقيقة التي خافت من ساق والدها أكثر مما فهمتها. وقُمعت أسئلتها مبكرًا، فبقيت تبحث عن أجوبة، غياب الأب عنها – رغم وجوده – خلق فراغًا بقي ساكنًا فيها، ظهر لاحقًا في صدمتها بعد ترك خطيبها لها وسفره.
فالخذلان كان وجهًا آخر لغياب الأب.
كلتاهما حملتا إرثًا نفسيًا لم يفهمه أحد، وأخذت كل واحدة طريقها وهي تحمل فراغًا لا تدري من أين بدأ، لكنه لم يغادرهما..
-** الخال عبد الرحمن:
الرجل الذي بعثه الله لمداواة قلب كمال، لإنقاذه، ليرشده ويحتويه… كان حضوره في حياة كمال بمثابة الأمان المفقود، اليد التي لم تتخلّ عنه.
ورغم عُمق تأثيره، لم يستطع أن يشفي الندوب القديمة: غياب الأب، صمت الأخ، وجراح القدم المبتورة…
كان وجوده عزاءً، لكنه لم يكن بديلاً كاملاً.
-**أولجا:
رسول من رحمة الله، تنثر نورها على من حولها دون أن تدّعي شيئًا.
كأنها جاءت في توقيت إلهي، لتُضيء قلوبًا أطفأها الألم… ترشد، وتواسي، وتترك في كل نفس أثرًا من سلام.
كانت كأنها تذكرة بأن النور موجود… فقط علينا أن نراه.
-**الأسلوب الأدبي:
الكاتبة استخدمت لغة صافية ومباشرة، تُركّز على الصدق لا التجميل، مشبعة بشحنة وجدانية ثقيلة. الأسلوب عاطفي عميق دون مبالغة، يلامس الوجدان دون الحاجة للزخرفة اللغوية. كأن الكلمات تُقال لا تُكتب.
-اختارت الكاتبة مفرداتها بعناية تخدم المعنى وتشحن السطور بشعور دفين دون مبالغة.
-**السرد والحبكة:
جاء السرد من خلال تناوب الأصوات بين الشخصيات، فلكل منهم مساحته الخاصة ليحكي حكايته بصوته. الحبكة لا تعتمد على الأحداث فقط بل على التشريح النفسي، يتكشّف كل شيء بهدوء، كأن الرواية تعرّي طبقات من الصمت المتراكم. لا مفاجآت درامية، بل انكشاف بطئ للوجع المتوارث، وللأسئلة المؤجلة منذ الطفولة.
-***رأيي الشخصي:
هذه الرواية، في نظري، لم تكن مجرد حكاية عن عائلة، بل شهادة شعورية على جيل كامل تربّى على الصمت، وعلى الخوف من البوح، وعلى اعتبار التحمل بطولة، حتى وإن كلفه ذلك روحه.
الكاتبة تكتب بوعي عميق تجاه ما لا يُقال، تجاه الألم الذي لا يُصرَّح به، تجاه التفاصيل الصغيرة التي تتراكم في النفس حتى تصير عقدًا يصعب حلّها. لم تؤلمنا المآسي الكبرى بقدر ما أثقلت قلوبنا تلك اللحظات الصامتة، حين لم تسأل ولم تبح نبيلة، وحين ادّعى كمال القوة، حين اجتهدت دينا فقط لتُرى، وحين قُمعت أسئلة داليا قبل أن تنضج..
ورغم ذلك، تظل هناك تساؤلات مفتوحة:
هل انتهى الصراع عند الأبناء؟
هل تمكنت دينا وداليا من التحرر من إرث والديهما؟
هل استطاعتا بناء علاقات صحية لا تعيد تكرار نفس الألم؟
أم صارت كل منهما نبيلة أخرى، تنجذب لكمال جديد دون وعي؟
ربما لا تمنحنا نهاية الرواية إجابات، لكنها تمنحنا وعياً… بأن الفراغ لا يملأه أحد، لكن ربما يمكننا يومًا أن نكف عن توارثه..
الطفولة ليست شيئًا يُنسى، بل عُقدها تترك ندوبًا تطل برأسها في كل جيل جديد، يركض محاولًا بناء شيء لم يعشه من قبل.
فكيف يعرف كمال كيف يكون أبًا، وهو لم يشعر يومًا بالأبوة؟
وكيف تمنح نبيلة بناتها دفء الحديث، وهي لم تُمنَح يوماً فرصة للبوح؟.
تقول الرواية الكثير، لكن لعلّ أهم ما تقوله: إن لم نكسر حلقة الصمت، فستظل تدور.
-**تعليقي على الغلاف:
لم يكن الغلاف مناسبًا لحجم الصراعات النفسية التي تنطوي عليها الرواية. ربما كانت ستناسبها أكثر صورة تُبرز القناع الذي ارتداه أبطال الحكاية، في حياةٍ امتلأت بالصمت والتباعد والأوجاع المخفية. غلافٌ يُشير إلى الداخل المكسور لا المظهر الهادئ.
-**الاقتباسات:
-❞ إذا أردتِ معرفة الحقيقة فعليكِ مواجهتها. ❝
❞ يتغير تفكيرنا كلما مر بنا العمر، كأن الزمن ينحت في أرواحنا طبقات جديدة، بعضها يضيف صلابة وبعضها يكشف هشاشة خفية، التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الدنيا، ❝
❞ أن الذي نحتفظ به في داخلنا هو ما يحدد قيمتنا وليس ما نفقده، ومن يحبك بحق لن يرى ما فقدته، بل يري الذي ما زلت تملكه. ❝
❞ من نحبهم لا يخشون ضعفنا، على العكس، هم يريدون أن يشاركونا هذا الضعف ليكونوا جزءًا من قوتنا، ❝
#فراغ_لن_يملأه_أحد
#مسابقة_فراغ_لن_يملأه_أحد
#فنجان_قهوة_وكتاب
#أبجد