ميثاق النساء > مراجعات رواية ميثاق النساء > مراجعة نجيب عبد الرازق محمد التركي

ميثاق النساء - حنين الصايغ
تحميل الكتاب

ميثاق النساء

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

"ميثاق النساء" ل حنين الصايغ: بين الإرث الثقيل وحلم التحرر"

قراءة نقدية: نجيب التركي.. اليمن

مدخل: الرواية كرحلة بحث عن الخلاص

لم تكن رحلة الوصول إلى "ميثاق النساء" سهلة، تمامًا كما لم تكن رحلة بطلتها أمل نحو الوعي والتحرر سهلة. فكما حال دوني عدم إقامة معارض الكتب في بلدي، وقفت أمام البطلة قيود العائلة والدين والمجتمع، لكنها – مثلي – وجدت طريقها، ولو عبر منعطفات غير متوقعة.

ما إن وقعت الرواية بين يدي عبر اشتراكي في منصة "أبجد" حتى بدأت رحلتي مع نصٍّ لا يحكي فقط عن المرأة في مجتمع أبوي، بل عن صراع البقاء تحت وطأة الوعي، الخوف، والقيود المتوارثة. فهل التحرر الحقيقي ممكن؟ أم أن "التظاهر بالموت"، كما قيل للبطلة في الرواية، هو الوسيلة الوحيدة للبقاء؟

ولعل الاعتراف بقيمة ميثاق النساء لم يتوقف عند حدود قرّائها، فقد وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2025، مما يعكس مدى تأثيرها الأدبي وقوة طرحها لقضايا المرأة والحرية.

العتبات النصية: مفاتيح الدخول إلى عالم الرواية

1. الغلاف: خريطة النساء نحو التحرر؟

الغلاف لا يطرح نفسه بسهولة، فهو غامض، أشبه بخريطة قديمة، حيث تتداخل الألوان البنية والوردية في إيحاء بالتاريخ والأنوثة والذاكرة الجمعية. صورة المرأة التي تحتضن أخرى، أو ربما مجموعة نساء متشابكات، تعكس حالة التداخل بين الذوات النسائية، حيث لا تروي الرواية فقط قصة فردية، بل سردية جماعية لمعاناة النساء في المجتمع.

2. العنوان:

يأخذ العنوان "ميثاق النساء" بُعدًا إضافيًا حين نعرف أنه مستلهم من فصل في كتاب "الحكمة" عند الدروز، مما يضع الرواية في إطار تاريخي وديني عميق.

لكن السؤال يظل مطروحًا: هل الغلاف يوحي بالتحرر، أم أنه يوثق للحظة احتجاز جديدة؟

3. الإهداء: الاعتذار كمرآة لصراع المرأة

تبدأ الكاتبة نصها بإهداء شديد البساطة لكنه عميق:

"أنا أربيكِ يا عزيزتي وأربيني. اعذريني لأنني لم أكن بكاملي معك."

هذا الاعتراف الصريح بأن الأمومة ليست دورًا مقدسًا بقدر ما هي تجربة إنسانية ممتلئة بالنقص والصراع، يعكس أحد محاور الرواية: هل تستطيع المرأة أن تكون أمًا وزوجةً وإنسانةً متحررة في الوقت ذاته؟ أم أن هناك دائمًا ثمنًا تدفعه؟

اللغة والأسلوب: بين الرمزية والواقعية

تُوظّف حنين الصايغ لغةً محكمة، تتراوح بين الفصحى والدارجة، مما يجعل السرد أقرب إلى الواقع لكنه محمّل بالشاعرية والرمزية. منذ الجملة الأولى:

"ربيع جديد."

نحن أمام إحساس بالتجدد، لكنه تجدد مشوب بالتوجس، فالرواية سرعان ما تأخذنا إلى نقيض هذا الأمل حين تكتب:

"لم أختبر خوفًا أقسى من ذلك الذي ينتج عن شعوري بالدونية وعدم الاستحقاق."

هذه الثنائية بين البدايات الجديدة والشعور القاتل بالدونية، بين الطموح والقيد، تشكل العمود الفقري للنص.

رمزية الدجاجة: من القيد إلى الفضاء المفتوح؟

من بين الرموز التي تتكرر في الرواية، تأتي "الدجاجة" تأتي كإشارة ذكية إلى المرأة في مجتمعات مغلقة. تصف البطلة أمل طفولتها قائلة:

"وكنا أنا وأخواتي نسرح كالدجاجات في الجوار، نبني حقائق موازية في ظل ما نرى ونسمع، في ظل ما سيبقى في غرف لا وعينا المظلمة في ظلِّ ما سيبقى في غرف لاوعينا المظلمة، وما سنتمسَّك به كتعويذة نجاةٍ مدى الحياة.‏❝

هذه الصورة تلخص حالة المرأة في القرى والمجتمعات التقليدية، حيث تنمو داخل "حظيرة" محددة، يُسمح لها بالتحرك داخل حدود، لكنها لا تعرف الطيران.

لكن حين تنتقل البطلة إلى بيروت والجامعة الأمريكية، يصبح العالم أكثر تعقيدًا، فتشعر أنها دخلت إلى معركة فكرية، حيث لم يعد هناك "سياج" يحدد لها مسارها، لكنها في المقابل لا تزال تحمل إرث الحظيرة في داخلها.

فهل كانت تريد الحرية فعلًا، أم أنها خافت منها؟

الصراع الديني والاجتماعي: الدين كأداة للحرية أم للقمع؟

يتجلى الصراع بين الدين والطموح في موقف الأب عندما تقدم شاب لخطبة أمل، حيث يقول:

"لا ينفع الإنسان إلا أن يعمل لآخرته، والعلم بحر لا ينتهي... نهاية العلم والتعليم الرضا والتسليم."

هذا التصور يعكس رؤية ترى العلم وسيلة للمعرفة الروحية، لا للتحرر، وهو فكر شائع في المجتمعات المحافظة، حيث يُعاد توجيه طموح النساء ليكون في خدمة الإيمان والتقاليد، لا في خدمة ذواتهن.

لكن الرواية تتساءل:

"المشكلة لا تكمن في الدين بحد ذاته، بل في الرجال الذين يتقمصون دور الله."

المرأة بين الصمت والمقاومة

تقدم الرواية نموذجين للمرأة:

1. الأم: نموذج المقاومة الصامتة، التي تواجه جبروت الأب بتضحياتها اليومية، حتى إنها تتحدى موقفه من تعليم ابنته، فتقول:

"أنا بوفِّي الدين من خبزاتي."

هذه الجملة تعكس كيف تتحول الأمومة إلى نضال خفي، حيث تستخدم المرأة ما لديها من موارد، ولو بسيطة، لكسر الحواجز المفروضة عليها.

2. أمل: المرأة التي تدرك القيود لكنها لا تعرف كيف تكسرها. يسألها صديقها الأمريكي في الرواية:

"You play dead to stay safe."

(أنتِ تتظاهرين بالموت لتبقي في أمان.)

فتطرح الرواية سؤالًا صادمًا:

"ولكنْ هل حقًا نستطيع أن نتفادى الألم؟"

هل الصمت يحمي المرأة؟ أم أنه يجعلها أكثر هشاشة أمام القمع؟

الأب: بين صدمة الحرب وإعادة إنتاج العنف

لا يظهر الأب كشرير تقليدي، بل كشخصية محطمة نفسيًا بسبب الحرب، مما يجعله يعيد إنتاج العنف داخل أسرته. تربى في كنف أم تؤمن بأن الذكر لا يمكن أن يتقمص إلا جسد ذكر، فكان يرى في ابنته امتدادًا لمأساة أسرته، لا شخصًا مستقلاً.

الخوف الذي يحمله الأب ليس فرديًا، بل هو خوف مجتمع بأكمله، عاش في ظل الحروب والاضطهاد، فصار يرى التحكم والسيطرة وسيلة للبقاء.

بين السيرة والخيال: هل أمل هي حنين؟

الرواية كُتبت بضمير الأنا، وعلى الرغم من محاولتي كقارئ شرقي لتجنب إسقاط الرواية على الكاتبة ذاتها، إلا أن كل حرف فيها يخبرني أن أمل هي حنين، وحنين هي الأمل ذاته. وليس في ذلك غبن أبداً، بل هو دليل على أن الرواية كُتبت من مكان عميق وصادق.

"السعادة ليست خلطةً في مختبرٍ تضيف كلّ المكوِّنات لتحصل عليها.".

هل هناك خلاص؟

"الرتابة تصبح قمةً أيضاً حين نسقط منها إلى حضيض الخسائر."

هكذا تنهي الرواية جدلها المستمر حول الحرية، المصير، والإرث الثقيل الذي تحمله النساء جيلاً بعد جيل. البطلة وصلت إلى وعي جديد، لكنها لا تزال تحمل في داخلها إرث القيد الذي نشأت فيه. فهل يكفي الوعي للتحرر؟ أم أن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك؟

ميثاق النساء ليست فقط عن النساء، بل عن الإنسان في صراعه المستمر مع ذاته، مجتمعه، وماضيه.

كلمة أخيرة ل "حنين": (الجميل لازم يكثر خلفتو)

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
1 تعليقات