"الأديان في حد ذاتها لا تضطهد المرأة، ولكن المؤسسات الدينية أممت فكرة الحب وجعلته رهين العادات والتقاليد، فنجحت في إقناع الرجل بضرورة مراقبة المرأة وتقييد حريتها، ثم نجحت في إقناع المرأة نفسها أن تكون جزءًا من آلة القهر، وأن تخاف من نفسها وتشعر بالذنب دائمًا، وأن تورث الشعور لبناتها وأحفادها من بعدها، وأن شعور المرأة المزمن بالذنب وبعدم استحقاقها للحرية هو لب المشكلة"
...
ميثاق النساء، ميثاق غليظ، تحمل النسوة فوق كوالهن منذ قرون، اختلفت الأشكال وتباينت المسميات والاضطهاد واحد..
أمل، اسم يحمل دلالة هامة، ضرورة أن تتحلى النساء بالأمل في الدفاع عن حقوقها وحريتها مادامت الحياة..
..
(المجتمع الدرزي)
من أهم سمات القوة في هذه الرواية يتمثل في التعمق داخل المجتمع الدرزي، هذا المجتمع المنغلق على ذاته، الذين يصعب الوصول لأعماقه ودهاليزه، حتى على معتنقي الديانة، فقراءة النصوص الدينية ليس مصرحًا للعوام، لابد من الترقي مع شروط قاسية للاضطلاع على كتاب الحكمة، الذي يمثل وثيقة وشريعة للدروز..
نجد مثلاً فكرة الإيمان، ونظرتهم للحاكم بأمر الله، والتشابه مع المسيحية في فكرة تجسد الإله فيه بالشكل الجسدي، بالإضافة لفكرة التناسخ والتقمص المرتبطة بشكل كبير بحضارات شرق آسيا، فالدرزي حين يموت، يعود إلى الحياة من جديد من خلال جسد درزي آخر، فالجسد هو القميص، والروح تلبس عدة قمصان على مر الزمن، شريطة أن يكون الجسد لدرزي.. بالإضافة إلى الصعوبة الكبيرة في زواج الدروز من غيرهم، فالمرأة التي تتزوج رجل غير درزي تكون بمثابة الكافرة لأن:"بيصيروا ولادهم كفار، وولادهم لسبعة أجيال"
بالإضافة إلى الجمود في العقيدة الدرزية، وحين تحولت للمؤسساتية والمشيخة صارت صارمة وجامدة في تعامل الرجل مع الأنثى، حتى عرض طريقة الاحتفال بالزواج أو حين الخلاف وامتناع الرجل من رؤية زوجته أو السماع لصوتها وغير ذلك من أمور ترتقي إلى حالة من الجمود والتعسف وتنويم للعقل والضمير..
...
ومن خلال هذا المدخل الهام سنتفهم بشكل أكثر عمقًا أزمة النساء، فالمجتمع كل تجمد توحد، وكلما توحد تحولت السيطرة لدفة واحدة وصار الرجل هو المهيمن على كل شيء..
...
(أمل والتوحد مع الأم)
ربما أزمة أمل في غالبية الأوقات كانت تتمثل في إحساسها بالذنب والدونية، وأنها لا تستطيع تجاوز هذه العقبات بسهولة لسببين، الأول النص، والثاني الأم.. فالأم التي حملت ابنتها الإحساس بالدونية والعار والضعف والتماهي مع إحساس الضحية جعلت البنت في شرنقة العنكبوت، فهي تخشى الانعتاق حتى لا يكون خيانة لعهد الأم، الأم التي في نظر ابنتها ضعيفة وضحية وأسطورة.
فقد عرفت أمل منذ الطفولة أن "المرأة في مأزق".. المأزق الأول في الأب الذكوري الصارم "كان أبي حدادًا، وكانت النار والمطرقة أهم أدواته لإصلاح ما تلف، وجبر ما انكسر"
وطبيعة أم يستخدم النار والمطرقة، من الطبيعي أنه لن يلتفت أو يستمع لمعاناة امرأة، فهو يدرك ويؤمن إن المرأة حين يكسر لها ضلع يطلع لها أربعة وعشرين..
فالمرأة في نظر الأب الذين يمثل الشق الديني في المجتمع الدرزي لا يجب أن تذهب أبعد من مسرح دجاجة بلا محرم، فميثاق النساء يرسخ لهذه الأفكار، لذلك تزرع أفكار انهزامية في الأنثى منذ الطفولة، استكانة لليأس، أن يكونوا بلا أمل، والتمسك بهذه الحالة، حتى لا يكون خلف كل أمل جديد احتمال انكساره..
وفي ظل هذه النشأة من الطبيعي أن تكون أمل نسخة مكررة من نسوة كثيرات، لكن أمل بدأت في تحدي هذه السلطة أولا من خلال المدرسة، التي تفوقت فيها، لكن في النهاية وقفوا لها بالمرصاد حتى تتزوج سالم، لأن المجتمع الدرزي يؤمن أن: "نهاية العلم والتعليم هو الرضا والتسليم" والرضا والتسليم يحمل شقين، الأول الرضا والتسليم للنص كوسيلة أولى للإخضاع والسيطرة وتغييب العقل، والشق الآخر في تبرير وترسيخ السلطة والسيطرة الذكورية، لأن الرضا والتسليم هنا يحمل معنى استجابة أمل للزواج والرضا والتسليم لهذه المشيئة.
...
(أمل والصراع بين الزواج والتعليم)
أمل لم تستطع الانسلاخ عن ذاتها، لم تحب أن تواصل كآلة جنسية للمتعة والإنجاب، الذات هنا وصلت لمرحلة من الإدراك والنضج والوعي، ولد لديها إحساس بضرورة التحرر وإثبات الذات والنجاح، والعلم والتعليم مع الثقافة وسائل هامة في الطريق لحرية المرأة، لذلك في البداية حاولت التماهي مع وضعها الجديد كزوجة، لكن مع تجمد المشاعر ومعاملة زوجها سالم لها الذي تعامل معاها كأداة، وظهر ذلك في نقطة طفل الأنابيب، الذي استباح فيه جسدها رغم أن المشكلة ليست فيها، واضطرت أمل أن تقايض بجسدها في سبيل الحصول على فرصة لإكمال التعليم، هنا إشارة ذكية: "استحالة تحرر المرأة من دون أضرار نفسية واجتماعية"
ومع ذلك اضطرت للمقايضة حتى وصفت حالتها: "كان من المفترض أن أنجب طفل أنبوب، فأصبحت أنا امرأة الأنبوب"
...
(صراع الأمومة والأنوثة)
مع فشل طفل الأنبوب، تفاجئت أمل بعدما عادت للدراسة بحملها، وهي محملة بعقدة الأم، حيث تقول: "رأيت أمي تطعم روحها للأمومة على مر السنوات، ولكن الأمومة لم تكتف بروحها، بل نالت من صحتها أيضًا ومن بريق عينيها ومن حبها للحياة".
وكأن الأمومة في نظر أمل هي منح حياة إنسان لمجموعة من البشر، فالأم توزع حياتها على أولادها، كم أن الأمومة في المجتمعات الجامدة تمرر كوسيلة لاستعباد المرأة وقتل شغفها ناحية الحياة وتحقيق الذات، لذلك سنرى نساء كثيرات ناجحات ومع الأمومة تخلين عن أحلامهن، وأمل أدركت فخ الأمومة، على الرغم أنها غريزة بكل أنثى، لكن في مجتمع كهذا، تكون الأمومة هي المسمار الأخير في نعش الذات الأنثوية..
...
بعد ذلك تجد أمل نفسها في صراع آخر، الأنا وابنتها، أن تحارب من أجل نجاحها وتتحرر من كل شيء أو تحسب بطوق الأمومة، وتظل مع ابنتها، هنا أمل في ذروة الصراع تختار أن تحقق ذاتها مع عدم التخلي عن زيارتها لابنتها، فهمت أمل الفخ، وأكملت دراستها في الجامعة الأمريكية وبدأت مرحلة الاستقلال، والاستقلال هو المدخل الأول والأصعب في تحرر المرأة، فلا حرية دون استقلال مادي وتثقيف فكري، لذلك بدأت أمل وتحدت كل شيء من أجل الحياة وتطلقت من سالم..
وهنا مع الاستقلال المادي تكون كفة نجاح المرأة أكبر، خاصة حين تتحدى منظومة الأسرة، والغريب أن الأب لم يعترض، وكأنها إشارة أن هذا الأب الصارم لم يكن هو الآخر سوى ضحية للمؤسسة الدينية التي عززت فكرة الهيمنة الذكورية وأن المرأة عار الرجل..
...
(التحرر والحب)
تلتقي أمل بحامد، الباحث العالمي، يجذبهم الحب، تشعر أمل ببعثها الجديد، والحب هذه المرة نابع عن منح بحرية، أن المرأة انجذبت بإراتها ولم ترغم كما المرة السابقة، لذلك فقد بدت علاقة صحية وإن ارتدت أقنعة حتى لا تصطدم بالمجتمع الدرزي، فحامد كان بمثابة المكافأة لأمل وليس المخلص لها من الآلام، لأن هذه العلاقة نتجت عن تحرر كامل أولا لأمل وتخلصها من الرواسب والعقد لذلك أتى الحب وفقاً لاختيار وحرية، على عكس أختها نرمين التي تحررت خارجيا وظلت العقد في دواخلها فكان جاد ضحيتها، لأن التحرر الخارجي غير القائم على وعي وثقافة واستقلال هو تحرر زائف ما يلبث أن يرتد لمرحلة أسوأ من الجمود بعد فترة، لذلك فتحرر أمل كأنه إشارة ورسالة لكل النساء، لابد من التحرر ومعه الاستقلال والنضج والثقافة والفكر..
فأمل تلخص تضامن النساء مع بعضهن فتقول:
"ميثاق النساء الحقيقي، ميثاق من التضامن والفهم والوجع لم يخطه أحد في كتاب، ولم يفرضه أحد على النساء، ميثاق يجعلنا نتواصل ونترابط على بعد آخر. بعد لا علاقة له بالدين والثقافة والجغرافيا"
فالنساء كما تضيف: "متصلات كجذور أشجار السنديان العتيقة، التي تمتد لعشرات الأميال وتتعانق تحت سطح الأرض".
...
رواية ممتعة، بسرد ناعم، يهدم كثير من الثوابت بهدوء ونفس طويل..