هذه الرواية فيها أجمل ما يقدمه الخيال، وهو قدرته الاستثنائية على نفض غبار الواقع الكثيف، والذي غالبا ما يكون مضللا. تزيح فوضى العالم وتقدمه عاريا، واقع خانق، يتحكم في أدق تفاصيل البشر، حتى الأحلام والكوابيس، لم تسلم من القبضة. تطرح أسئلة خطيرة؛ ماذا يحدث عندما تتعامل الحكومات مع شعوبها باعتبارها حمل؟ هل النظر إلى الشعب على أنه عائق ضد الانجاز وجهة نظر عملية فعلا؟ هل تنجح هذه الحكومات؟
لكن الرواية لا تسأل هذه الأسئلة بجمود، إنها تعيد للحب هيبته القديمة، تضعه في جملة مفيدة باعتباره واحد من أقدم الطرق للمقاومة وللصمود. وقود للاعتراض على ما يخنق الروح والجسد، وشكل مشروع للمعارضة، لكنها لا تغفل السؤال المنطقي أيضا، هل الحب فعال ومؤثر؟ وإن حدثت المعجزة وصمدنا كأفراد بفضل الحب، فهل نحن مجرد فكرة جميلة، وكل ما نناله من الوعي الجمعي إشادة في برنامج تليفزيوني عابر يسلي المشاهدين وهم يتناولون عشائهم؟
تعرض لنا الرواية أشكال أخرى من المقاومة أكثر فاعلية، تغير مصائر ملايين البشر دفعة واحدة، وتترك لنا كقراء أمر المفاضلة والتفكير.
دوما نسمع من الأدباء رغبتهم في دفع القارىء للتساؤل، يدفعوننا نحو ذلك كثيرا بالفعل، لكن هل يسأل الأدباء أنفسهم إن كانت تلك الأسئلة هامة؟ هنا وجدت أسئلة قيمة، ورحلة في السؤال الورطة، ذلك الذي ينشأ بعد الأحداث الكبرى، سؤال: ماذا بعد؟، ذلك الموتر، واللغز الذي يحمل صوابه وخطأه بالتساوي. هل ما ينقضي ينتهي فعلا؟ ما الذي علينا مواجهته حقا لنقلب الصفحة؟ هل يجد المستقبل الجميل لنفسه مكانا في عيون اعتادت على رؤيته كحلم بعيد المنال؟ لكن لا مفر من التجربة، ولو على الأقل بين صفحات رواية جميلة كهذه.