أدب الديستوبيا أدب ثري ويفتح الباب على مصراعيه لمن يملك الخيال والموهبة لكتابة تصور مأسوي لمصير العالم فى المستقبل البعيد او حتى القريب المنظور. بالطبع تتشارك جميع كتابات الديستوبيا فى مبادىء عامة من اهمها اعلاء قيمة الجهل وتسطيح العقول والسيطرة على ارادة الناس لحساب فئة حاكمة مستعدة لفعل اي شىء لضمان بقائها الأبدي حتى بعد انهيار المجتمعات اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ونضوب او ندرة الموارد الطبيعية اللازمة لاستمرار الحياة. الاختلاف يكمن فى ثقافة كل مجتمع ومدى تصوره لشكل الحياة فيما بعد الانهيار.
( أحلام سعيدة ) تتخذ من فكرة تكبيل ارادة الانسان وتوجيهه بل ومنعه حتى من الحلم حتى لو كان هذا اثناء النوم. تريد ان تحلم اذن نحن سنصنع لك الحلم بما يتوافق مع مصلحة الوطن !.
توصل النظام لطريقة مبتكره تتمثل فى ان ينام نصف الناس لمدة تزيد عن يوم كامل فى حين يكون النصف الاخر مستيقظ ثم يحدث التبادل. كل هذا طبعاً من اجل انقاذ الوطن والسعي لحل المشكلات الاقتصادية الطاحنة التى بالطبع لم يكن النظام سبباً فيها حاش لله !.
المهم نعيش مع البطل حكاية كابوسية بامتياز. ماذا يحدث فى مجتمع يطبق هذا البروتوكول المجنون ؟ والى ماذا ستؤدى النتائج فى النهاية ؟ ماذا لو كان هناك متمردون على هذا النظام الظالم الذي يُطبق على الشعب فقط باعتباره هو المنوط بالتحمل وعليه دفع ضريبة علاج وحل الأزمات كالمعتاد ؟.
الرواية تحمل عُمقاً كبيراً ومضمون قوي بلا شك واسقاطات ثرية جداً من خلال معالجة متميزة للفكرة الكابوسية. بالطبع هناك لمحات من الثيمة الأساسية لفكرة the truman show فى بعض المواضع مخلوطة مع معالجة مبسطة لفكرة زرع الأحلام التى تم مناقشتها بشكل معقد فى فيلم inception.
السرد فى الرواية كان سلساً ويسير بايقاع سريع نوعاً ما وهذا شيء مميز حتى لا نقع فى فخ الملل والاطناب بدون داع.
الشخصيات قليلة العدد وترتكز على البطل الأساسي للقصة فى معظم الأجزاء. عموما هى ليست رواية شخصيات فى المقام الاول. البطل الأساس هو الفكرة الكابوسية بامتياز.
لن انكر انى استطعت تخمين كيف ستكون النهاية وصدق حدسي بنسبة كبيرة لكن هذا لا ينفي ان النهاية جاءت متسقة مع الأحداث ومنطقية بشكل كبير - حتى لو تفاجىء البعض منها - نظراً لما مر به البطل من أحداث جسام.
فى الختام اثني على الكاتب وموهبته الواضحة فى تقديم رواية ذات مضمون عميق وقوي يحترم عقل القارىء يجعلك تتأمل وتفكر فيما يحدث حولك والأهم يجعلك لا تتنازل عن ارادتك وحقك فى الحلم ولا تُسلم عقلك ابداً مهما كانت الأوهام تظهر حولك بشكل يبدو منطقياً لأبعد الحدود.