"كرة القدم هي صورة مجازية للحرب، ويمكن لها أن تتحول أحياناً إلى حرب حقيقية. وعندئذ يتخلى الموت المفاجئ عن كونه مجرد اسم لطريقة دراماتيكية في التعادل في المباريات. فالتعصب الكروي في زماننا احتل الموقع الذي كان يقتصر في السابق على الحماسة الدينية، والعاطفة الوطنية والهياج السياسي. ومثلما يحدث مع الدين والوطن والسياسة، هناك فظاعات كثيرة ترتكب باسم كرة القدم وكثير من التوترات تنفجر بسببها."
قد يكون الإقتباس السابق مُبالغاً فيه بعض الشيء ولكن لا يُمكن إنكار أنه يحمل في جوهره حقيقة بشكلاً ما، وربما كلما تطورنا ومضينا إلى الأمام، تقل جودة كرة القدم، ولكن، يبقى رهاني دائماً وأبداً على فكرة كرة القدم ونشأتها، تلك اللعبة الشعبية التي هوست الملايين على أدنى تقدير، وإذا سألتني لماذا نالت هذه اللعبة وحدها تلك الشعبية الجارفة؟ أجيب وأقول أن تلك اللعبة تحمل في طياتها العديد والعديد من جوانب الحياة، من تقلبات درامية مجنونة، فرحة عارمة وخسارة مؤسفة، غضب وشجن ونشوة، ضربات قلب عالية تكاد تسمعها بأذنك، منافسة وتحفيل بينك وبين أصدقائك -غفر الله لهم- الذين يشجعون الفريق الغريم، كرة القدم التي تجعلك تتأثر بفرق ليست حتى من وطنك ولا قارتك، وكأنك من حواري البيرنابيو أو لندن، وصدقني أستغرب من الذين يسخرون من مهووسي كرة القدم فيستخدموا هذه الجملة، فنعم كرة القدم نقلتنا من حيزنا الجغرافي، إلى حيز يسع العالم كله، ولكن، لا تنسى، إنتمائك وهويتك لفريق بلدك ومنتخبه، وإن شاب ذلك العديد من التخبطات، اجتماعية وسياسية وأشياء أخرى، فحتى وإن كانت كرة بلدك منخفضة المستوى، ولكنها لا تزال لها طعماً خاص، حرش ومُغبر ومليء بالأمراض، ولكنك -وللآسف- ما زلت تتأثر به ويُعجبك.
تشكلت بداية علاقتي مع كرة القدم في مونديال 2002، كنت حينها في السابعة، ولا أعي تماماً ما يحدث أمامي، ولكن بسبب إجبار من والدي بشكلاً ما، تركت مشاهدة الرسوم المتحركة، وجلست أشاهد الاثنان وعشرون لاعب وهم يهرولون وراء كرة قدم، ومن وقتها، وتحتل كرة القدم جزءاً كبيراً من حياتي، ولأسباب مختلفة -مشاغل ومشاكل وأشياء أخرى- يخبو هذا الجزء قليلاً وسرعان ما يعود مرة أخرى، أشاهد مباريات عديدة، وأحياناً أقول أن شغفي بكرة القدم قد ولى، والقلق المصاحب لمشاهدة المباريات انعدم، ولكن تأتي مباراة تجعل قلبي كالطبل، فأتيقن أن هذا الشغف بكرة القدم سيبقى ملازماً لي، فقط نوعية المباريات وأهميتها هي التي تتحكم في ذلك، والحمد لله أنني قد وصلت إلى هذه النقطة، فلا أتخيل قلبي وهو بهذا الجنون كل مباراة، أي قلب حديدي ذلك الذي يتوتر بهذا الشكل كل مباراة مهما كانت أهميتها؟
بالطبع كل هذا الهراء الذي كتبته ليس له علاقة مباشرة مع الكتاب، ولكن الكتاب نفسه هو ما أثار في أن أكتب هذه الكلمات، وأظن هذا ما سيفعله بك الكتاب أيضاً، يُذكرك بجماليات كرة القدم، لعبة الشعب الذي يُحاول قروش أوغاد أن يمتلكوها بأموالهم، ولكن كلما حاولوا ذلك وجدوا المعوقات في كل مكان، وربما يأتي يوم وتصبح لعبة الشعب مملوكة بالمال فقط -جزء كبير منها حالياً متعلق بالمال وحده- وحينها سيتوقف شغفنا بكرة القدم الآلية تلك، ونتجه إلى الشوارع والأزقة والحارات والملاعب الترابية والعشبية لنلعب -نحن مهووسي كرة القدم- بشغفنا نحن، ومهاراتنا المحدودة، ولكن يظل ذلك تذكيراً لأن تلك اللعبة هي ملكنا نحن فقط.