تنويه : المراجعة لمن قرأ الرواية فعلا فربما يكون فيها قليل من الحرق...
* ( وددت لو كان الواقع اقل" اسطرة") ...
وكما لكل اسطورة لعنة..( اخترق الواقع بفظاظته سياج الخرافة) فاصاب قريتنا في مقتل
اسطورة الفراودة..
هل الفراودة حقا رواية اجتماعية لقرية مصرية؟ ام انها اسطورة تختلط بها الخرافة بالحقيقة؟
ظنت احدى البطلات (ان العالم تدور رحاه بين الشر المطلق والخير المطلق..حين توحدت مع الابطال الخارقين الذين يتلافون الخطايا ويدفعون بارواحهم لمجابهة الشر )... ولكن كاتبتنا رأت الا شر مطلق ولا خير مطلق فصادت شرا من داخل شخصية الطيب واستخرجت خيرا من شخصية الشرير.. وظلت تناورنا من الطيب ومن الشرير في روايتها...
في هذه القرية دفعت النساء ثمن خطايا الرجال.. ودفع الرجال خطايا آبائهم الرجال ايضا بالاضافة الى خطاياهم...وبصفة النساء واهبات الحياة في الاساطير القديمة لامتلاكهن الارحام.. فقد حملت الواهبات وزر انقطاع الحياة.. وحاول الرجل ان يكون هو الواهب عن طريق تحويل الخصوبة الى النباتات عوضا عن النساء.. فهل سينال نائل ما اراد؟ وهل سييسر له ميسر وسماده السحري ذلك؟ وهل سيصلح الرجال ما افسدته اللعنة.؟..
ماذا فعل اهل هذه القرية حتى يستحقو تلك اللعنة؟ باي ذنب لعنوا؟
* سيرة الفقد والالهاء... هذان هما محورا الرواية
الفقد لا يكون فقط بالموت... بل ايضا بالحياة.. الحياة في دروب مختلفة.. فتفرق اهل البيت الواحد مرة بالموت.. مرة بالاختفاء.. مرة بالخذلان.. مرة بالاغتراب والعزلة .. مرة بالتوحش.. التوحش هو نقيض الانس.. فالاخ الذي كان يشارك اخوته اصغر تفاصيل يومهم قد يتوحش يوما ما وينفر كما ينفر حيوان عن قطيعه فيقاتلهم جميعا وكأن طائف من الشيطان مسه فتبدل حاله.. فقد تلو فقد تلو فقد...
كان الفقد بكل صوره هو لعنة هذه القرية.. ثم جاء الالهاء ليحتملو كل هذا الفقد.. وليبررو كل هذا الفقد فهكذا هو الانسان دائما.. يبحث عن مبرر لما لا يعجبه من قدره.. فيجلب كل المبررات غير المنطقية عوضا عن ان يلوم نفسه ويرجع ما أصابه لأخطائه وذنوبه هو..
اذن( فهؤلاء الناس يستحقون هذا الزعيم " وهذا المصير" وسيكون من المجحف ان يحظو بقائد غيره " ومصير غيره") هؤلاء القوم صدقو الخرافة ونزعو عنها خطاياهم وتمادو في الخرافة وفي الخطايا حتى لبستهم الخرافة واصابتهم بما لم تصب به احد من العالمين فصارو هم الخرافة وصارو اضحوكة العالمين...
الالهاء جاء جنونيا وغير منطقي.. تماما كتبريرهم للفقد الذي كان ايضا جنونيا وغير منطقي.. فنقل هذا الجنون الرواية من رواية اجتماعية شيئا فشيئا الى رواية فانتازيا مجنونة.. وكأن الكاتبة ارادت من البداية ان ترمي كرة صغيرة من حدث يمكن ان يسير بشكل منطقي لحل لغز اختفاء احدهم.. ولكن جنون اهل هذه القرية الظالم اهلها والجاهل اهلها والاحمق اهلها جعل الكرة تتدحرج ببطء وتكبر باحداث وتبريرات لامنطقية حتى صارت كرة كبيرة من الفانتازيا..
تدحرجت انا كقارئ مع هذا التدرج شيئا فشيئا وبسلاسة لم تشعرني بتصاعد اللامنطقية... فلا يحق لي ان انعت بعض الاحداث باللامنطقية لان لا شيء منطقي في هذه الرواية مع تصاعد الجنون والمجون والبذخ والتحايل على فطرة الله وعلى شريعة الله... وكأن لامنطقية الاحداث متناسبة تماما مع التفسير اللامنطقي الاول للفقد.. لقد كفروا بالقضاء والقدر فعاقبهم القدر على قدر عقولهم.. وزادهم جنونا وخنوعا لمن استغلو حالتهم وعوقبت انا كقارئ صدق اللعنة من البداية بالا اعرف مثلهم تفسيرا لما حدث فجاءت النهاية فانتازية ايضا..
اكملت القرية رحلة جنونها وغبائها بمنتهى الرضا و السعادة ولم تدرك القيد الذي يلف حول رقبتها حتى ارتفع القيد وشكل سورا عملاقا يحجزهم خلفه كحيوانات بلا كرامة... ومازالو مغيبين لا يدهشهم شيء.. مسحورين ملعونين...
هذان هما خطي الرواية.. الفقد والالهاء... جاء عاما للقرية.. وجاء خاصا عن الشخصيات.. كل شخصية ماذا فقدت وبماذا التهت.. الشخصيات متعدده والسرد بطريقة اشبه بالرسائل من طرف واحد بصيغة المخاطب لشخصية اخرى..
* اسماء الشخصيات كان لها مؤشرات على ما اعتقد..
فالاب جميل لم يكن جميلا.. وكامل لم يكن ابدا ابدا كاملا... سعيد لن يكون سعيدا.. ميسر يسر الفساد ولعب بالجميع الميسر.. نائل ظل ينال ما يريد حتى نال ما يستحق .. فخر كان ممكن ان يكون فخرهم لانه الاعلى تعليما لكنه نأى بنفسه ودخل كهفه واعتزلهم وما يعبدون.. شريف هو النسخة الشريفة من الاب جميل.. مخلص لم يكن مخلصا.. ومنصف كان منصفا لانه الوحيد الذي كان يحكي الحكاية وهو يرقبها عن بعد وليس طرفا فيها..حتى وان كان يرقبها بعين واحدة
اما النساء :
فعناية هي المعنية بهذه اللعنة.. والمتحملة الاولى لوزرها.. ذكية هي المراة الذكية الوحيدة التي تحدت حمق قريتها واجرت سنن الله في خلقه بتزويج ابنتها زواجا كاملا نتج عنه طفل كامل... بسنت معناها الزهرة الناعمة.. فاذا صحت نظريتي باستبدال الزعيم المجنون خصوبة النساء بخصوبة النبات الذي يعشقه سيفسر هذا حرصه على الارتباط بزهرته الناعمة بسنت...وداد تود الجميع.. الست راضية هي راضية مستسلمة صامتة طوال الاحداث.. تبكي الفقد في صمت وتطبخ لتنابله السلطان في صمت...
نورا هي نور انعكاس عناية بكل نجاحاتها و انكساراتها
نورا وشريف هما عناية وكريم في حياة اخرى.. لذلك حرصت عناية طوال الرواية على استكمال فستان نورا كأنه فستانها هي..
اما اميرة فهي ذاتها الجنية التي اغوت جد جدها ووهبت نفسها لكل رجال الرواية ثم بهتت وتبدل لونها كما حدث للجنية واختارت طريقا آخر ..
هذه كانت رؤيتي للشخصيات..
* الاسقاط السياسي واضح لحاكم استخف قومه فاطاعوه.. ( وهكذا حتى يأكل الجميع.. مادام الناس يأكلون فلن يسألوك على شيء ولن يطالبوك بشيء ولو طلبت منهم ان يلقو بأنفسهم في الترعة فانهم سيفعلون)..
* الاسقاط الاجتماعي ايضا واضح من تفشي الجهل والتدين المزيف والموروثات الاجتماعية الخاطئة في بلادنا..
* الكاتبة متمكنة من اللغة العربية من مفردات وتعبير وبلاغة... الاستعارات والصور الجمالية ووصف النباتات والزهور في الرواية ساحر بكل معنى الكلمة تنم على ذوق فني راق وخيال بصري جمالي للكاتبة
ظني ايضا ان النباتات والزهور تحمل دلالات على الشخصيات كياسمين عناية وبرتقال وجهنمية نائل ونخيل وداد...
* المواويل الشعبية كانت متناسبة مع الاحداث واضفت طابعا قرويا محببا.. ولكن كنت احب ان يكون الحوار ايضا باللهجة الفلاحي حتى وان كان الابطال يروون الاحداث بلغة فصحى فلسفية..
* ما يعيب الرواية هو الاطالة في بعض المواضع... في حين ان بعض المواضع كانت مبتورة ولكن اعود فاقول ان هذا البتر جزء من لامنطقية الاحداث وتلغيزها .. وهذا هو الجو العام للرواية.. جزء من الفقد والالهاء..
* الغلاف جاء ملونا زاهيا كنباتات القرية.. ولوحات فخر.. ( الرسمة ريحتها حلوة يا ولا).. الرسمة رائحتها فقد بان في الوجه الرمادي الكئيب بينما احاط لون الالهاء الزاهي بالوجه ليحتمل كل هذا الفقد.. ويبرر كل هذا الفقد...
🌹 شكرا للكاتبة على عملها الاول.. شكرا Dina Elhammamy ...امتعتنا الرواية فعلا وتدحرجنا معها من الواقعية الى الفانتازيا بكل سلاسة.. وعشنا مع شخصياتها.. بالتوفيق في عمل قادم باذن الله 🌹
تحياتي.. وعذرا للاطالة... ❤️