الفراودة : سيرة الفقد والإلهاء > مراجعات رواية الفراودة : سيرة الفقد والإلهاء > مراجعة Yomna Ahmed

الفراودة : سيرة الفقد والإلهاء - دينا الحمامي
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الفراودة.. سيرة الفقد والتعجيز!

المرة الأولى التي أقرأ فيها عملًا يجمع بين البساطة والتعقيد في وقتٍ واحد، البساطة لأنها تتحدث عن صورتنا في بساطتها، والتعقيد لأنها تتحدث عن أفكارنا التي تعقد سير حياتنا كما في سيرتها الأولى. لا أستطيع البدء في الكتابة عنها لأنني ربما انتهيت منها ولم تنته مني. ولكن يبدو أن هناك بعض المشاهد التي أثارت حزني وألمي وإحباطي وسعادتي وربما غضبي.. ومشاهد أخرى لم أنل منها سوى الغيظ!

في الحقيقة هناك مشهد يذقيني بالحزن العميق، ترن صدى كلماته في عقلي، وهو مشهد غُسل نورا، هذا المشهد عبقري من وجهة نظري لأنه يضعني مع الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذا العالم بعد ما لوثها هذا العبث في الرواية، وأتعجب مع كل مرة أتذكره كيف لم تتعظ منه عناية في لحظاتها التي قررت أن تحرر فيها جسدها من الستر؟ كيف دفعها ألم الفقد وانتظار الزواج ورجوع كريم والرغبة إلى التحول لشخص مجنون، مع أنني رأيت تعقلها وشعرت به كما أرادت الراوية منذ الأحداث الأولى؟

أكتب هنا سطورًا لا تعبر في أصلها عن «ريڤيو للرواية». أسجل هنا حالًا يعز علي أن أراه في رواية؛ ربما لأنه تخطى عتباتها وأصبحنا نراه في الواقع، أو لعل «دينا» رأته في الواقع فأحبت تسجيله في رواية! المهم أن الأحداث الخيالية الموجودة هناك أصابتني بالتوتر ونوع من الغيظ. أبدأ من حيث انتهت الحياة في القرية، حيث رأى الأموات جنازتهم الثانية أمام قبورهم، لم يكن عرسًا وهميًا، ولم يصبني حنق إقامة «الشعللة» في المقابر، ولكني أشفق على الأموات الذين لا يملكون العودة مرة أخرى وصفع هؤلاء المجانين وتأديبهم.

كل فرد في الفراودة رأيت وجوده اللازم كما صورت الكاتبة، ولكني لم أر الفراودة في كل شخصٍ من هؤلاء، كنت ولا زلت أتصور القرية المتباين أهلها ليس في الطبقات فقط والفقر والغنى، ولكن في فرق الثقافة الواسع وفي إمكانية التأثير في أهل قريته. غضبت من منصف لأن تعليمه لم يشفع في كسر روتين الجهل في القرية، وعناية التي كتبت الرسائل لأبيها وخطيبها الراحلين بنفس طريقة سرد منصف، ويكأنهما التقيا كثيرًا قبل لقاءهما الفعلي. التقيا في عالم اللغة وسرد الأحداث بالطريقة ذاتها.. لا أقول إنه خطأ الكاتبة -إن صح تسميته خطأ- ولكني أقول إنه خطأ الشخصية التي لم تستطع فرض نفسها على اللغة بما يكفي لتتحدث برشاقة.

الفراودة قرية لم أستطع تحديد موقعها ولكني انتشيت جدًا بتراثها، الفلكلور الشعبي والعادات في نقل العزال وربما كثرة العزومات، ونقل الكلام طبعًا إن اعتبرنا نقل الكلام صفة أصيلة في القرية قديمًا وحديثًا. أعجبني اسمها وشخصوها ولكن لم يعجبني شرهم! لأنه شر لا أستطيع فهمه «شر أهبل». لم ألتفت كثيرًا الرمزيات ربنا لأنني لا أجيد فهم معظمها على الأغلب، ولكني التفتُ إلى الفقد فيها أكثر من أي شيء. فقد الأحباب والغياب دون مبرر، عدم الخروج من صومعة العيش في الماضي دون البحث عن سبل أفضل للحياة، هذا ما عانيته طول الراوية وكأنه أعاد ترجمة ألمي الناتج عن موت أبي. عناية ونائل وفخر وأميرة، كلهم عاشوا في الماضي وحبسوا فيه وأفاقوا على مشكلات أكبر من محاولة مواجهتها فهربوا مجددًا بطرق أخرى.

ومنصف! منصف الذي لم يتورع عن ارتكاب الأذى بالصمت، يراقب ويكتب بصمت، يتجول ويغيظ بصمت. منصف الذي عاش الحاضر وفكر في مستقبل فيه عناية بأي صورة، ولكنه لم يملك زمام أمره أمام أخيه الأصغر حينما فكر الاستعانة بالشعوذة. وبمناسبة الشعوذة فأنا لم أفقد التساؤل الأهم طوال قراءتي للراوية.. اللعنة أصابتهم بسبب عبد القادر بعد هروب الأب والخطيب.. ماذا بعدما مات عبد القادر؟ هل يملك زمرته قوته في استمرار العمل بدلًا منه!

الحقيقة التي أغضبتني أن أهل القرية لم يعودون كما صورتهم الرواية، فهم «فيهم العبر» ولكن: يقفون أمام العقل كثيرًا ويغيرون الواقع حتى لو كان أسوأ من السيء، يتكاتفون ولا تتخلل بهم الطرقات وكلٌ في ملكوته ويتم تصويرهم على أنهم متكاتفون. فهم ورغم كل ذلك «يتحايلون على الواقع الأسود بأمل غير مستحق في النجاة». أعجبني جدًا توظيف معلومات الزراعة في الراوية، رغم أن الموضوع يبدو سحريًا وفيه شيء من الخيال، إلا أنني دائمًا ما أراهن على فهم المرأة عامة في مجال الزراعة وإن كانت المعلومات المذكورة بسيطة ولكنها منظمة. هكذا علمتني بيئتي الريفية.. ألا نتدخل في شؤون الزراعة.

من المرات التي شعرت بالتعقيد فيها جدًا هي اكتشافي لشخصيات جديدة ثانوية في الراوية، كلوي، ميسر بك، عمي سعيد. هؤلاء الشخصيات لم يصبوني سوى بالتوتر ومع أن وجودهم كان مهمًا لاكتمال الفكرة العامة كما أرادت الكاتبة.. إلا أنه كان من الممكن أن تتحدث الراوية عنهم بشكل أقل. أعجبني جدًا توظيف الوصف في الراوية، وصف النخيل والشجر والزرع والياسمين بشكل أخص، أعجبني وصف حالة نورا وقرب زفافها، وصدمني حقد أميرة على معايشة عناية هذه التفاصيل معها قبل الموت.

وأما عن وصفي للراوية بالتعجيز فلأنني شعرت أن لا أمل في هذه الحياة التي يفقد منها خيط أصيل ومهم، خيط الترابط! فهناك أشخاص كانوا يستطيعون إيقاف نائل مثل بسنت. هناك كانوا يستطيعون التكاتف بعدما صرح الراجل السكير بالحقيقة في وجه نائل وأوجعه. هناك قرارات كثيرة كان عليهم اتخاذها ولم يفعلوا. وتعجيز نائل لهم كان نابعًا من عقدة طفولته الذي كان أبيه يعجزه فيه عن كل شيء، اللعب تحت شجر البرتقال، وعدم إتمامه الحفظ و«تفليكه» وحتى الكلام العادي. ظهرت عقدة النقص وممارسة السادية جيدًا في شخصيته.. فلم يكن شخصًا ذكيًا كما فهمت من الراوية في أول الأحداث. وفي نظري كان هذا تعجيزًا وليس إلهاءً.

ظللت طول الراوية أبحث عن المعنى أو القيمة وراء حيوات هؤلاء الناس فلم أجد إلا فخر وحبه للفن والذي سرعان ما تخلى عن ولاءه له. ونائل الذي لم يطمع في المال بقدر طمعه للأمان وتعطشه لحب حقيقي. والست وداد التي قضت حوائج الجميع دون انتظار رد الجميل إن سميناه جميلًا. وأعجبني جدًا رد إساءة نائل في الوشاية بها بالإحسان له في مرضه. أما عناية فلم أجد لها قيمة حقيقية.. هي تعيش على الإطلال، ولم أستطع تفسير طلبها لمنصف بعد كل هذه السنوات.. لماذا منصف بالذات!

أحببت ذكر الرقية الشرعية كمضاد السحر والشعوذة الذي آمنت به القرية، وكنت أود التركيز أكثر على هذا المعنى. كما تمنيت عودة العلاقة بين نائل وعناية من باب «أهو حاجة تفتح النفس في الراوية دي». أما الشيء الذي أثار انتباهي وهو واضح وضوح الشمس وأشكر الكاتبة عليه هو اهتمام الجميع بالزواج بشكل مرضي. ليس ما ضاعف هذا أزمة الاختفاء ووجود اللعنة. بل حكي للفراغ الذي سيطر على القرية وتسجيل لحالة الخواء التي رافقت قلوب سكانها.

لا أدرى لمَ اختفى شريف ولم أهتم بعودته أصلًا، على الرغم من أن نقده كان لاذعًا فهو الذي هرب وترك البيت في ظروف فقدان الأب ولا مبالاة فخر وفساد نائل وحالمية عناية الطائشة.. لم أعد أعز به أو أهتم بأفكاره أصلًا. الراوية ممتعة ولكن كان من الممكن أن تنتهي بأحداث أقل من ذلك. ولم أرتض النهاية كنهاية لأحداث القرية.. ربما لأنها افتقرت إلى الواقعية. وهالني التفاف الأطفال وظهورهم.. مع أنه ليس هناك أطفال في القرية!

أبدعت دينا الحمامي في وصف المعاني وتنوع الشخصيات الرئيسية، أراها في أدب الرسائل أكثر، وأعشق أسلوبها الذي يشعرني بالحنين إلى كتابة رائقة، لا تعجل فيها ولا صراع بين البشر.. أوصل إليكِ محبة عميقة على استمتاعي بالرواية ككل.. رغم بعض تعليقاتي. أهدي إليكِ دعواتي بدوام الجمال وراحة البال.

#يمنى_أحمد.

عصر الجمعة 25 أكتوبر 2023.

شارع سعيد، طنطا، الغربية.

#مسابقة_ريڤيوهات_الفرادوة

#أبجد

#دينا_الحمامي

Facebook Twitter Link .
7 يوافقون
اضف تعليق