عملًا بقولِ بثينة العيسى ”القراءة التي لا يتبعها حوار قراءةٌ ناقصة.“
فإني هنا من جديد، أحاولُ أن أكتب مراجعةً تجعل من قراءتي قراءة كاملة وأديرُ حوارًا داخليا مع نفسي عن هذه النوفيلا ذي المائة واثني صفحة فقط.
❞ متنَ واحدة بعد أخرى، فهي لم تحظَ بالأهليةِ الكافية لتحافظ على أسماكها، واكتشفت، متأخرة جدًّا، أنَّ بعضها قد التهمَ البعضَ الآخر. ❝
تبدأ النوفيلا ببطلتنا خولة وحوض السمك خاصتها الذي بات فارغًا، ولكنها تبقيه على أية حال، ربما تعزي به ذاتها كلما نظرت إليه أن كان ها هُنا ثلاثة أسماك صغيرة براقة تعتني بهم ويقاسمونها هذا الفراغ القاتل.
❞ لهذا السَّبب تمتلئ طاولاتها، طوال العام، بحاويات الشوكولاتة والفستق الحلبيِّ وحلوى راحة الحلقوم؛ «فخاخٌ منصوبة لأمومة معطّلة»، ❝
عاشت خولة طُوال حياتها مسحورة بالحلم الأمريكي، ولم تكن أن ذلك الحُلم سيصبح كابوسها الممتد عما قريب. وأصابت عدوى السحر ابنها الأكبر -ناصر- فأخذت الفجوة تتسع بينهما يومًا بعد يوم منذرة بأنه لا سبيل لردمها، لا سبيل للبدء من جديد والعودة للمربع صفر. أما ابنها الأوسط -يوسف- فقد نما ونمت في قلبه غصةٌ تخبره دومًا أنه مهما فعل ومهما صار لن تنبهر به والدته التي صار شاغلها الأول والوحيد استرجاع ابنها البكريّ، ورغم أنها تعلم أن هذا شبه مستحيل إلا أنها كانت تتجرع من الأمل ما يكفي كل يوم لتحاول من جديد، وابنها الأخير -كرم- كبر ليصبح مدللا، لا يكترث إن كان العالم من حوله مقلوبًا رأسًا على عقب، يكفي أن عالمه الصغير لا يزال محتفظًا بهدوئه المؤقت.
❞ تكتشفُ خولة متاهة الصَّمتِ -وهي متاهة مؤلَّفة من غيابِ اللغةِ المحض، لا من قصورها- وتتحسَّسُ جدرانها كل صباحٍ وكل ليلةٍ.❝
بينما تتحسس خولة خطاها داخل الفراغ الواسع، تتخبط بجدران الصمت الكثيف، وتجد فرصتها الذهبية لقطع هذا الصمت الكئيب في أن تظهر على الشاشة بمثابة دكتورة جليلة، تلقي ٱراءها حول هذا الجيل الذي وصفته بالمشوّه، وهي تعلم في قرارة نفسها أنها تقصد أبناءها الثلاثة ليس إلا، وتعلم أيضا أنها كانت السبب الأساسي في تشويههم وأنها أيضا السبب وراء طفو سمكاتها الثلاث وبقاء الحوض موحش.
❞ لقد حُسمت المعركة منذ زمن طويل، لأنَّها عندما انتبهت لوجود معركة، كان النظام مشغولًا بجمع الغنائم: أطفالها الثلاثة. ❝
خولة ليست مجرد بطلة نوفيلا قصيرة، بل فكرةٌ تولّد من بعد طرحها ٱلاف الأسئلة، هل كانت خولة الجانية أم أنها مجرد ضحية أخرى لنظام يهيمن على كل شيء؟ ماذا سيحدث في اليوم المقبل؟ هل هناك احتمالية ولو ضئيلة أن تعود الحياة لحوض السمك من جديد؟ تتركك النوفيلا بأسئلتك الكثيرة المعلقة وتمضي، فقد أدت مهمتها بالفعل وأضاءت تلك الومضات -ببراعة ومهارة وخفة- داخل عقلك.