من فترة ليست بالقصيرة انتهجت شيرين هنائي مسار معلمها ومعلمنا الراحل العراب د.أحمد خالد توفيق واتجهت من كتابة الأعمال الروائية ذات الجزء الوحيد إلي السلاسل المتعددة الأجزاء والشخصيات والأحداث
بدأت بسلسلة لاشين وما أدراكم ما لاشين وشيطان الرعب وذلك استكمالًا لحديثها في برنامج بعد منتصف الليل المسجل صوتيًا على أوديوهات..
وهذه هي السلسة الثانية ولكنها تسلك فيها سبيل مختلف بعيد نسبيًا عن جو الرعب الذي تستفيض به لاشين..
سلسلة الاستغاذة الأخيرة حيث الماورائيات والميتافيزيقيا التي تتخطى قدرات العقل البشري دون أي تدخل من كائنات غريبة، إنما هي قدرات فريدة يتمتع بها بعض البشر كما
هما أبطالنا يحيي ومريم..
هل هي قدرة استبصار أو إسقاط نجمي كما حاول يحيي أن يتعلم أنم تنويم مغناطيسي لذاته ؟
لا نعلم حقيقة هذا الأمر ولكن الذي نعلمه جيدًا أن لهذه السلسلة جانب نفسي يتعمق في الذات البشرية ومشاعرها وجانب فلسفي يتناول فلسفة الحياة والموت، حين تفقد شخص عزيز لديك كان في أشد احتياجه لك ولكنك لم تستطع إنقاذه لن تستطيع النجاة من ذاتك ولومها وتأنيبها المستمر من ربما كان وجودك سبب فقدك له ولعلك لو تمهلت وتفكرت قليلًا قبل تصرفك لاستطعت انقاذه..
مريم منذ صغرها تعاني من رغبتها في أذية الحيوانات تجد متعة ولذة شديدة في مثل هذا الأمر.. ذكرني هذا الأمر بمشهد من مسلسل Mouse الكوري حيث يقف الطفل أمام القفص الزجاجي الذي توجد به الأفاعي ويلقي لها بفأر أبيض مشاهدًا بلذة واستمتاع التهامه من قبل الأفعى؟ تري ما السبب في مثل هذا الأمر؟ ماذا يمكن أن يكون حدث لمثل هذه الأطفال لتنشأ في عمرها الضئيل بمثل هذه الشخصية السيكوباتية ؟ والعجيب أن مريم اتدعت البكاء لتبرأ نفسها من هذا الأمر، هل كان هذا الإدعاء محاولة منها لجعل والدها يصدق براءتها أم لتصدق نفسها ؟
هل تكتفي عند هذا الحد أم أنه أكبر من ذلك بكثير، انطلاقًا من فلسفة الحياة والموت وفلسفة المرض نكتشف جانب من جوانب مريم في أحداث الرواية؟ وعلى الرغم من الانطباع الأول الذي يتكون لدينا عنها من كونها شخصية مسالمة بريئة، يختلف تمامًا في نهايته حين نغوص في أعماق ذاتها ونتعرف عليها بشكل أوضح وحقيقي ❞ أنبهر بقدرة الإنسان على الرفرفة بأجنحة الملائكة علنًا، ثم الوخز بقرني الشيطان سرًّا. ❝
في نظر الرؤية البشرية المحدودة فمن قام بالجريمة هو المسئول، فالقاتل فعل هذا من تلقاء نفسه بإرادته الخاصة حتى لو كانت هناك وساوس عدة من شيطانه له لهذا الفعل، في عالم الماديات والواقع هذا شئ لا يعتد به
وإن كان من يقوم بالوسوسة والدفع إلي القيام بجرائم الشر بشر، لو كان بطريقة مباشرة ويوجد دليل على ذلك فهو مذنب وله عقابه أما إن كان بطريقة غير مباشرة سواء كان بالتحفيز أو الترهيب أو الترغيب وهذا يذكرني بالعدد الأول من أول حلقة من كتابات كريم قنديل المنشورة في دار كتوبيا بعنوان أنا قتلت كريم توفيق، حيث تسبب الراوي في وفاة صديقه لمجرد أنه دفعه إلي نزول البحر وهو لا يعرف السباحة وبدلًا من أن يعترف كريم بذلك غامر بنفسه خوفًا من استهزاء زملائه به وأدّى ذلك لهلاكه ولم يعاقب على ذلك على الرغم من علمه وتيقنه من هذا الأمر وتيقن زملائه لذلك فلا يوجد دليل مادي يعتد به في القضية
وهذا ما يحدث معنا في هذا العدد دون حرق للأحداث يقع يحيي في هذه المصيدة هو غير مذنب فلم يفعل شئ سوى إلهامهم بطريقة النجاة
❞ فلا عقاب على النوايا والأفكار وما لا يمكن إثباته. ❝
ولكنه يهتز من داخله حين يدرك هذه الحقيقة فهل سيكون لمثل هذا الأمر أثر ما في حياته القادمة ؟ سنرى
هل نلتقي بالناس في حياتنا من جانب المصادفة فقط ؟ أن تجد من تبحث عنه في أشد وقت تحتاجان فيه بعضكما هل هذا مصادفة؟ أن تحيرك أسئلة ما وتشغل جزء كبير من عقلك فيقع بين يدك كتاب تجد فيه نجاتك يجيب أسئلتك وينتشلك من حيرتك هل هذه مصادفة ؟
❞ لا أومن بوجود المصادفات أبدًا؛ الكتاب الذي يقع بين يديك بالمصادفة قد يغير مسار حياتك بالكامل.
الشخص الذي تقابله مصادفةً، يمكن أن يقرر مصيرك، أو يربطك به للأبد. ❝
يتمثل الكون بأحداثه الكثيرة في كينونته بصراع واحد وهو الصراع الدائم منذ أن خلق الكون بين الخير والشر
❞ فهل نحن أحرار كما نتصور، أم أن بداخل كل منا شخصين لا يعرفان شيئًا عن بعضهما البعض، وينتصر من هو أقوى؟ ❝
سيتعرض يحيي في نهاية العدد لهذا الصراع بينه وبين ضميره الحي حيث أنه لينقذ أحد أحبته المقربين يجب عليه أن يتسبب في أذية شخص ما فماذا سيفعل ولكن من الشخصيين بداخله سيكون له الغلبة ؟
السؤال الأكثر إلحاحًا على عقلي منذ أن انتهيت من العدد هو ممن أو مما استلهمت الكاتبة شخصية كل من يحيي ومريم؟
أؤمن أن الخيال ليس وليد ذاته كليًا فلابد له من بذرة صغيرة تنتمي إلي عالم الواقع يتبلور على أساسها الخيال في ذهن الكاتب حتى يصل إلي مرحلة النضج الكامل التي تسمح بالانطلاق من تلافيف عقل صاحبه إلي الورق فما هذه البذرة التي قد تنشأ مثل هذه الشخصيات ؟
عدد رائع أسلوب السرد سلس يسير واللغة بسيطة تخلو من الكلمات المعقدة والمصطلحات الغريبة، التنقل بين الأحداث في سرعة واتقان تجنبًا للملل، طريقة الربط بين الشخصيات والأحداث وسد أغلب ثغرات الحبكة في نهاية العدد تم بشكل بديع، فهي سلسلة جميلة جدًا بغباء، استهوتني للغاية