( وصية أول الليل ) ..
قد انقضى نهارك بما فيه، وأقبل عليك هذا الليل. وليس فيه فعلٌ بدنيٌّ ضروريٌّ، فاعطف على مصلحة نفسك بالاشتغال في العلم، والفكر في الاطلاع على الحقائق. ومهما استطعت اليقظة في الليل فافعل، فإذا أردت النوم فاجعل في نفسك ملازمة ما أنت فيه، لتكون رؤياك من هذا الجنس. وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند الصباح. واحرص أن تكون في غدك أفضل من يومك المُنقضي. وإياك أن تجذبك الطباع إلى الفكر فيما عاينته في نهارك من أحوال أرباب الدنيا، فتضيِّع وقتك، وتنفتح لك أبواب الخداع والحيل والمكر في تحصيل أمور الدنيا، وتظلم نفسك، وتُفسد حالك، وتبعد عن الحقائق، وتكتسب الأخلاق المذمومة، ويعسر تخلصك منها. لكن اعلم أن هذه أعراضٌ زائلة، وان ضرورات الإنسان قليلة جداًّ، وفكر فيما يعود على نفعه. وتهيَّأ للقاء الله، فإن علمك بموتك متى يكون، مستور عنك، وما جاءك في أن يأتي يوم آخر عليك، أقوى من وهمك أن تموت هذه الليلة، فودِّع بالثبات على ما تنتفع به بعد المفارقة.
( رشيدُ الدين بن خَليفة )
مشاركة من هالة أبوكميل-hala abu-kmeil
، من كتاب