والناس خبثاء، وتغنى عن الدليل تجربةٌ كئيبةٌ دائماً، ومع ذلك فإن الإنسان صالح بطبيعته (بفطرته)، فما الذي أفسده من هذه الناحية إذن إن لم يكن ما طرأ على نظامه من تحول، وما أوجبه من تقدم، وما اكتسبه من معارف؟ وليُعجب إمرءٍ بالمجتمع البشري ما شاء، ولكن ليس أقل من ذلك حقيقةً كون هذا المجتمع يحمل الناس على التباغض بحكم الضرورة، بنسبة زيادة مصالحهم، وعلى تبادل الخدمات ظاهراً وضرّ بعضهم بعضا بكل ما يُتصور حقيقةً، ومن المحتمل أنك لا تجد رجلاً موسراً ولا يتمنى موته سراً ورثته الطامعون، وأولاده في الغالب، وأنك لا تجد سفينةً لا يكون غرقها في البحر حادثًا ساراً عند بعض التجار، ولا تجد محلاً تجارياً لا يود المدين السيئ النية أن يراه مُحترقاً مع جميع ما يشتمل عليه من أوراق، ولا تجد شعباً لا يُسرّ بمصائب جيرانه، وهكذا فإننا نجد فائدتنا في ضرر أمثالنا، فخسران أحدهم يُوجب غبطة الآخر دائماً ، ولكن أكثر ما يكون خطراً هو أن تكون البلايا العامة مدار أمل جمعٍ من الأفراد وموضوع رجائهم، فبعضهم يريد أمراضاً، وآخرون يريدون فناءً، وآخرون يريدون حرباً، وآخرون يريدون مجاعةً، وقد رأيت أناساً قباحاً يبكون ألماً من طلائع سنة خصيبة.
مشاركة من المغربية
، من كتاب