ولم يكد الناس يبدءون بتقدير بعضهم بعضا مبادلةً، ولم تكد فكرة الاعتبار تتكون في نفوسهم، حتى زعم كلٌ أن له حقٌ في ذلك، وصار يتعذر إنكار ذلك على أحدٍ من غير عقاب، ومن هناك أُنشئ أول واجبات الأدب حتى بين الهمج، ومن هناك صار كل خطأٍ إهانةً؛ وذلك لأن المُهان كان يرى في الشر الذي ينشأ عن الإهانة ازدراءً لشخصه أشد إيلاماً من الشر نفسه غالباً، وهكذا إذ كان كل واحد يجازي على الازدراء الموجه إليه بنسبة ما يستطيع ويقدر، فإن الانتقامات أصبحت هائلةً، وصار الناس قُساةً سفاحين، وهذه هي الدرجة التي انتهى إليها بالضبط معظم الشعوب الوحشية التي نعلم أمرها، وإنه لما وقع من عدم التمييز ومن عدم ملاحظة مقدار ما كان من ابتعاد هذه الشعوب عن الحال الطبيعية الأولى، أسرع كثير في استنتاج كون الإنسان قاسيًا بحكمٍ الطبيعة فيحتاج إلى ضابط لإلانته، بينما لا تجد ما هو ألطف منه في حاله الفطرية، عندما تضعه الطبيعة على أبعاد متساوية من غباوة الوحوش وبصائر الإنسان المتمدن المشئومة، ويكون مقصورا بالغريزة والعقل على ضمان نفسه من السوء الذي يهدده، تراه مزدجرا بالرأفة الطبيعية عن إساءة أحد من تلقاء نفسه، ، والأمر هو كما جاء في مبدأ الحكيم لوك القائل: "لا يمكن أن توجد إهانةٌ حيث لا يوجد تملك."
مشاركة من المغربية
، من كتاب