إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة، والله لا يُعبد إلا بالعلم. ومعرفة الله هي ذروة المعارف كلها، ونهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد. وأول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه، وتلك أول لذة، ثم يتعرف على أمه وأبيه وعائلته ومجتمعه وبيئته، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء والمغانم والملذات، فهو يخرج من الأرض الذهب والماس، ومن البحر اللآلئ، ومن الزرع الفواكه والثمار، وتلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة. ثم ينتقل من معرفته لبيئته الارضية ليخرج إلى السموات ويضع رجله على القمر، وبطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه: ومن أنا الذي عرفت هذا كله؟. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه بهدف معرفة نفسه والتحكم في طاقاتها وإدارتها لصالحه وصالح الآخرين، وتلك لذة أخرى. ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس. وبهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات، لأنه يلتقي بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل.. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة.. وكلها ورود ومسرات.
مشاركة من المغربية
، من كتاب