كثير من ألعاب الطفولة يقوم على فقد حاسةٍ من الحواس الأساسية، فمثلا لعبة الحجلة تتطلب من اللاعب الماهر أن ينط من مربعٍ لآخر بقدمٍ واحدة بينما الأخرى معطلة في الهواء، كأنها قطعت منذ زمن كاف ليتدرب على القفز بدونها.
ربما أنا في هذه القارة كي أمشي وحدي لعدة أيام أو سنوات وكأن لا أحد هناك يحتاجني، ينتظرني،
يطالبني، يحبني، يستوحشني، يخاف علي . منذ اليوم الأول وأنا أعرف أن الحجلة ليست إلا مجاز فاشل لأنني في الحقيقة وأنا هنا أحتاج كل هؤلاء الذين أصحو وأنام بدونهم وأعرف تماماً أن البعد لم يقلل من وطأة الذنب. "الذنب" هي الكلمة التي ترن بداخلي كلما تذكر ت أنني "من هناك"، لقد أصبحت حتى أكثر وأكثر "من هناك" منذ غادرت هناك. الذنب "يأكلني" تحديداً منذ وصلت بالأمس
فقط لمدينة تطل على محيط ما لأ قرأ قصائد ما على مسرح كبيرٍ ما، ولأشرب نبيذأً جيداً مع كتابٍ
موهوبين وليسوا من هناك.
ماذا يفعل شخص جاء إلى هنا ليقرأ قصائد عن هناك لأناس ليسوا من هناك حين يأكله الذنب سوى أن يقف مثلي الآن في شرفة فندق خمس نجوم و يشعل سيجارة ثم يلعن العالم بالصراخ والهمهمة على أمل أن يأخذه البوليس إلى السجن، على أمل أن يحدث شيء يمنعه من إلقاء نفسه من الطابق السابع ثم عندما يدق باب الغرفة يختفي خلف أغطية السرير كأنه في لعبة استغماية.
في الاستغماية يفقد اللاعب بصر ه، ويكون عليه أن يمسك الأجساد الهاربة منه بتعقب حركتها أو بشم رائحتها.
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب