- ابويا بيلم السنابل فى الغيط.
- وابويا بيلم السمسم حوالين البيت.
- امى بتملا القنديل.
- وامى بتخبز عند ام خليل.
- تعالى نرسم.
- نرسم إيه؟
- هاتي بس السلم.
- وطلعت من جيبي الطباشير، ورسمنا قلب على باب البيت.
- بس انت مشيت.
- رحت لأمى اللي بتستلف زيت للقنديل.
- وأنا ناديت على أمى وهي بتخبز عيش لأم خليل.
- وأبويا وابوك لساهم فى الغيط.
- ولساها حيطان البيت مشقَقَّه.
- وكف ابويا بتِشْلِب شقا.
- والسنابل والسمسم ...
- مالهم؟.
- هيخلوا عيشتنا ضيقه؟
- تعالي نجيب السلم.
- تعالى.. ليه؟
- نرسم بيت.. شجره وعصفور بيزقزق.
- انا عايزه بيتنا محندق.
- ﻻ..ﻻ.
- ﻻ؟ ..ليه؟
- انا هرسم بيتنا واسع جدًّا.
- علشان عصفورنا يطير ويزقزق؟
- وعلى سطوح بيتنا ييجي اليمام ويعشش.
- وتبقى الشجره مركب.
- ونركب.
- نخلة طويلة.
- نخله طويله جدًّا جدًّا.
- وسقف السما هيقرب.
- ونجيب الغيمة.
- تطرح تمر.
- وتملا جيوبنا حَب.
- وندهن حيطة البيت.
- ونملا القنديل زيت.
- وامى تبطل تخبز ﻻم خليل عيشها.
- عشان تاخد أُجرتها حَطَب ووقيد ورغيفين عيش.
- وتبطل تخبز عندها عيشنا.
- ويبقى عندنا حطب ووقيد.
- وشجره ونخله.
- ومركب.
- وبيتنا تملاه ريحة العيش.
- ونعيش.
- بتحبيني ياحنة؟
- ابويا مات وامى لسه مجتش!
----
مناسك الخوف، دار الأدهم للنشر والتوزيع، 2019، ص ص 207-206
قراءة موجزة لحوار متميز بين طفلين في الفصل 36 من رواية مناسك الخوف للدكتورة الروائية المصرية سلوى محسن Salwa Mohsen -
قبل أن يبدأ الحوار. هناك جملة محورية مهمة تسبقه في نص الرواية كما يلي:
"دق الـبـاب. تقلبت تـتـوجـع، نـاداهـا رومـا لـم تـرد. جـلـس بـجـوارهـا لم تلتفت، جرها إلى الحلم كالأسير."
لنحتفظ بالصورة الأخيرة في ذهننا "جرها إلى الحلم" والتشبيه "كالأسير" إلى ما بعد.
نعيد قراءة الحوار بتمعن لندرك أن نصه في حقيقته نص شعري، يمتلك خاصيات شعرية بنيوية ودلالية.
يأتي الحوار من 46 سطرا lines.
الحوار يدور بين فتاة وفتى، حِنه و روما (واسمه ايضا رمضان).
It's very important to be very attentive to who is speaking in each line
لأن الدلالات التي يخلقها الحوار ليس من السهولة رصدها وفهمها بشمولية عندما نفصل الحوار عن الفصل الذي انبثق فيه.
أول عنصر يثير انتباه القارئ - وأعني هنا القارئ المحلل للنص the so-called "close reader هو السؤال:
- Who is speaking?
- من هو المتحدث في كل سطر من هذا الحوار: هل روما أم حنه؟
وما هي الإحالات التي تأسس للدلالة فيه؟
الحوار يستهله روما بالسطر الأول، ترد حنه في السطر الثاني، وهلم دواليك.
في السطر 12 نقرأ
"وأبويا وأبوك لساهم في الغيط".
من التسلسل"المنطقي " في نص الحوار ، يفهم القارئ أن هذا السطر يقوله الفتى روما (أو رمضان) ويتبعه السطور الثلاثة التي تليها.
يستمر الحوار بين الاثنين الذي هو عبارة عن غزْل لحلم بينهما (الحلم الذي جرها إليه كالأسير - كما ورد أعلاه).
في السطر 24 تأخذ حنه سبق غزْل الحلم في هذا الحوار/الحلم بين السطور التالية:
- انا هرسم بيتنا واسع جدًا.
(- علشان عصفورنا يطير ويزقزق؟) (هذا السطر قاله روما)
- وعلى سطوح بيتنا ييجي اليمام ويعشش.
- وتبقى الشجره مركب.
- ونركب.
- نخلة طويلة.
- نخله طويله جدا جدا.
- وسقف السما هيقرب.
- ونجيب الغيمة.
- تطرح تمر.
- وتملا جيوبنا حب.
- وندهن حيطة البيت.
- ونملا القنديل زيت.
- وامي تبطل تخبز لام خليل عيشها.
- عشان تاخد أجرتها خطب ووقيد ورغيفين عيش.
- وتبطل تخبز عندها عيشنا.
- ويبقى عندنا حطب ووقيد.
- وشجره ونخله.
- ومركب.
- وبيتنا تملاه ريحة العيش.
- ونعيش.
روما يقطع على حنه حلمها بسؤال (وجودي في تلك اللحظة من حوارها الحلم السريالي)
- بتحبيني يا حنه؟
ما الذي روع روما في الحلم وهو الذي بذل المجهود الاكبر والأول لجر حنه للحلم كالأسير؟
ماذا كان "جواب" حنه على سؤال روما ؟
- ابويا مات وأمي لسه ما جاتش.
وهذا هو السطر الأخير في الحوار بين الاثنين.
مباشرة بعد نص الحوار هذا في نص الروايه، نقرأ الجملة السردية التالية. وهي التي تلئم "الشرخ" (so-called fissure) وهو شرخ دلالاي وإيحالي تركه الحوار السريالي هذا في السرد.
نقرأ:
"تركها روما في الحلم غاضبا".
القارئ المنتبه يفهم طبعا لماذا أنصرف روما عن حنه غاضبا. ليس فقط لأن ردها على استفساره لم يكن شافيا لقلقه (الوجودي) أنها "لا تحبه". السؤال في دلالته ليس استفسارا عن شك لحبها له من عدمه، بل السؤال (الحقيقي) هو "هل أنا موجود معك في ذلك/هذا الحلم؟ (أقرأ أعلاه) الحلم الذي تركها فيه ومضى غاضبا.
ذكرت في تعليق سابق على صفحة الدكتورة سلوى الاستفسار التالي:
- what is the (grammatical) mood or moods used on this text?
لن اجيب عن هذا السؤال هذه الليله.
الجواب عن السؤال يستلزم ضم الفصل كاملا لهذه القراءة. الفصل قصير جدا. لكنه عبارة عن شريحة microscopic للرواية ككل فيما يخص "مزاج " السرد narrative الذي حبكته سلوى محسن. وسنفعل ذلك بروية.
The most important question to ask is:
- What is the textual relevance of the last line in this dialogue :
ابويا مات وأمي لسه ما جاتش.
هذا اهم سؤال في هذه القراءة for the time being
هذا هو "الجواب" الذي ردت به حنه على روما عندما سألها "بتحيبيني يا حنه؟"
المحتوى الدلالي للسطر لا علاقة له بكنه سؤال روما. هي تتحدث وتحيل في هذا السطر عن "الأن" - الواقع الملموس:
- والد حنه متوفى (والدها ليس حيا بيلم السمسم وليس في الغيط either)
- وأم حنه لازالت غائبة عن البيت.
حنه في السطر الأخير من الحوار تنبه القارئ وروما أيضا (المحب القلق عن موقعه في الحلم) أن ما تتحدث عنه حنه ليس حلما حالما برائحة الطين (الغيط)
بل هو واقع قاسي جدا محروم جدا بارد جدا دامٍ جدا. واقع لا سقف له سوى "أمي" .
كم عدد المرات وردت هذه الكلمة في الحوار؟ ثمانية مرات اضافه الى ثلاثة لإحالات بضمير الغائب. وهو نفس عدد المرات التي وردت بها كلمة "بيت" إضافة إلى "سقف" كناية عن البيت طبعا.
"أبويا" وردت ستة مرات، السادسة نفي لوجوده أصلاً " أبويا مات".
هذه القراءة المقربة close reading لا تكتمل ابعادها الا بربطه بنص الفصل 36 كاملا.
الآن، وأخيرا، وجب على القارب المنتبه، أن يسأل نفسه : "لماذا ترد حنه في حوار شعري حالم بهذه الجملة:
"أمي لسه ما جاتش!"
عندما يقول طفل مثل الجملة سواء كلمات منطوقة أو ذهنية، هذا الطفل لديه مشكل.
"ابويا مات وأمي لسه ما جاتش."
لا تمت للحوار دلالة ومحتوى بصلة!
هنا ينتقل السرد في الحوار من "الخيال" Subjunctive as a modality
ل الواقع
the real , the grammatical indicative, the Real, in the Lacanian sense.
وهنا وجب قراءة الفصل كاملا.
Ait Bari
****.22 Berlin.
مناسك الخوف > اقتباسات من رواية مناسك الخوف > اقتباس
مشاركة من Ait Bari
، من كتاب