تزوجت خالدا لأنجب أبناء غير داكني البشرة؛ خاصة لو جئن إناثًا، ولأن الزواج جبر في أغلب الأحوال فقد أردته مليحا بعض الشيء. هل اخترت خالدا؟ ريما، ساومت ستي. إن أرادت الخاص مني، فلتزوجني من رجل أبيض.
أتقنت احتمال المشقة؛ فصرت مزارعة قوية تبتهج للماء والإنبات. لم نستطع بناء مظلة من القش؛ لأن الرياح ستخلعها في لمحة. كان الأنسب بناء من الطوب؛ وكان ممنوعا علينا؛ فكنا نستظل بشجيرات علف الفيل التي نستخدمها سياجا ضد الرياح؛ أوراقها الكثيفة تزيد الجو سخونة ورطوبة، لكنه حر دون شمس على أية حال. في الشمس هيهات أن يطيق المحتر الصغير غطاء رأس؛ ولو كان جميلًا أصنعه يفيص باللعب. كنت أخشى على طفلتي إن أصابها لفح الشمس؛ فتغمق بشرتها وتُعيَّر بلونها. ظل هاجس اللون يطاردني في الشمس أكثر ما يطارد المرء في الليل كابوس.
انتبهت إلى تلميحات حليمة، وقررت مواجهتها. قالت لخالد:
- ربنا خلق الناس سـود وأمرهم يتطهرو، شویه استحمو فابیضو، وسابو للباقي شوية اميَّه، غسلو بطون إيديهم ورجليهم بس، وجايز الميه اللي سابوها البيض مكانتش كفايه أو مبتنضفش، أو إن السود مبيحبوش يستحمو.
ضحكة عالية أكثر دويًا من وضاعتها:
- ياحاجه، كل القصور زمان كان فيها عبيد سود وبيض، وكانو بيسمو العبد الابيض غلام رومي، أقولك يعني إيه غلام رومي وأقولك كمان الجواري البيض في القصور كان بيتعمل فيهم إيه وكانو بيعملو إيه؟ وبعدين يعني انت عارفه بياضك دا جي منين؟ جدرك مفيهوش بياض ياحاجه. وكمان اللي قلتيه دا معناه حاجه واحده بس، إن البيض حرامية وطماعين، دا لو كلامك صح. والمثل بيقول: المسك بالنفحه واللبن بالسطل، والجير بالقنطار والفلفل بالوقية، ولا معداش عليك الكلام؟
تمنيت أن يفهما المثل وإشارة الجذر. ردا بغيظ وعصبية:
- حليمة هانم، مش الحاجه.
ضحكت بسخرية أثارت خالدا، وانفجرت:
- ياحاجه دا انت حفيدة اللي ميعـرفـو ولا شافو في حياتهم غير الرمل، ودول في الأصل لا هم باشوات ولا هوانم.
مناسك الخوف، الفصل ٢٨، ص. ١٦١-١٦٢
عن دار الأدهم، الطبعة الأولى
للروائية سلوى محسن
Salwa Mohsen
______
مناسك الخوف > اقتباسات من رواية مناسك الخوف > اقتباس
مشاركة من Ait Bari
، من كتاب