في القلب لم يكن هنالك شيء سوى الخَوَاء، وشعور بالتفاهة والانحطاط، لطالما كان تقديره لنفسه عالياً، ويعتقد أنه مشروع رجل صالح، يُلبِّي أوامر الواجب بكلِّ إكبار، ويقهر بصبر قدِّيس كلَّ ما في نفسه من نزعات الأنانية، وعندما استدعتْهُ قيادة الجيش للتجنيد الإلزامي والالتحاق بالحملة العسكرية على طَرَابُلُس، تجنَّب مغالطة القوانين أو التشكيك في نقائها، وعدَّ هذا النداء صورة أخرى لمعاني المواطنة، أمَّا اليوم وهو أمام ما يمكن أن يُسمِّيَه صفعة أخلاقية أطاحت بشرف الدولة والجيش والصحافة والبرلمان والحكومة لم يعد راغباً إلَّا في الانزواء بعيداً أو الموت، شريطة ألَّا يُكتَب اسمه على الأنصاب التَّذْكارية للجنود الأغبياء الذين ظنُّوا أنهم ماتوا في سبيل الوطن لقد بات من الواضح الآن، صبيحة اليوم الثاني لمعركة شارع الشطِّ، أن الموت الذي نجا منه بأعجوبة عند طابية الصَّبَّار الهندي هو أقصى ما يتمنَّاه اليوم، ذلك أن الموت وكما في الأزمنة كلِّها هو السبيل الوحيد لمسح العار بدا الصباح فاجعاً منذ أوَّل خيوط الفجر، في منتصف الباحة، عند سارية العَلَم الذي كان حتَّى تلك اللحظة مُنكَّساً حِدَادَاً على أرواح البرساليري
صندوق الرمل > اقتباسات من رواية صندوق الرمل > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب