على ضفاف نهر التسعين > اقتباسات من رواية على ضفاف نهر التسعين > اقتباس

لو خيرناكم بين التنزه في حقل مثمر مليء بالفواكه، أو التنزه في حديقة مزروعة بكل أنواع الرباحين وعجائب الورود أيهما ستختارون ؟

ماذا لو اجتمعت ثمار الحقل بعجائب الحديقة في مكان واحد؟!!

لو قلنا أن الحقل المثمر هو الكتاب الفكري الذي يأخذ عقلك في رحلة المعرفة والبحث، ستكون الرواية الممتعة بحق عندئذ تلك الحديقة الغناء، أما لو كانت الرواية فكرية بامتياز وأخذت عقلك وروحك كليهما في رحلة بديعة وممتعة بين ثنايا العقل والروح، ستكون عندئذ ذلك المكان البديع الذي حدثتك عنه والذي يجمع الثمر والفاكهة بعجائب الزهور، وهو ما ستجده تماماً في رواية الكاتب الأستاذ محمد الشافعي #على_ضفاف_نهر_التسعين

وهي رواية فكرية بامتياز شائقة ممتعة، تأخذ عقلك وروحك رحلة غايةً في الإمتاع، وتحاول أن تجيب على كبرى الأسئلة الوجودية التي رافقت الإنسان منذ وجوده على الأرض، بطريقة منطقية روائية ممتعة على لسان بطل القصة سليم .

تناقش الرواية مسائل في غاية الأهمية انتشرت في مجتمعاتنا العربية ولا سيما بعد الربيع العربي وتشخص العواصف الفكرية التي رمت بشبابنا في دوامات اليأس والإلحاد في غفلة من رجال الفكر والعلم والدين في بلادنا وانشغالهم بالمعارك السياسية، وتجيب على كثير من تساؤلات أولئك الشباب الضائع التائه الحائر ولا سيما السؤال الأبرز الذي طرح نفسه بعد الربيع العربي كما أسلفنا

"أين هو الله من كل هذا الظلم والقتل والتهجير والتشريد ؟"

أيضاً تبحث الرواية وتناقش في الناس اللذين بدلوا أديانهم في مجتمعاتنا خاصة من أسلم من النصارى عبر شخصية مهمة من شخصيات الرواية، وتبحث أيضاً في مشاكل الهجرة وأحلامها والتغيرات الإجتماعية الكبيرة التي طرأت على مجتمعاتنا خلال وقت قصير نسبياً ، وربما لم يحدث مثل هذا التغير السريع على مرِّ العصور بهذه السرعة .

الجميل في الرواية أيضاً أنها تكلمت بروح هذا العصر، فركزت كثيراً على وسائل التواصل الإجتماعي من فيس بوك ويوتيوب وواتس آب إلى آخره، وجعلت من هذه الوسائل الوجه الحامل لكثير من هذه المناقشات الفكرية، وهي تقريباً أول رواية أقرؤها تركز على هذا الجانب وتحاكي وسائل عصرنا، وكم يدهشني أحياناً عندما أقرأ رواية تتكلم عن الزمن الحاضر ويستخدم أبطالها وسائل المراسلة البريدية كأن الرواية على عصر ديكنز وتشيخوف !!!

حكاية الرواية تتحدث عن طبيب افترق عن زوجته وحبيبته لأسباب لن أذكرها لكم لكي لا أحرق الرواية، ثم التجأ إلى مواقع التواصل وأنشأ صفحة يبث فيها شكواه وحنينه، وتطورت هذه الصفحة لتشكل حلقة اجتماعية متشعبة يتداخل فيها العالم الواقعي مع العالم والصداقات الإفتراضية .

ثم يتدخل القدر ليعيده إلى حبيبته ولكن بطريقة تراجيدية حزينة سأكتفي بذلك .

طبعاً حكاية الرواية ممتعة ولطيفة ومؤلمة رغم أنها بسيطة خالية من التعقيد، وكما قلت لكم الرواية لا تركز على الحكاية فقط إنما على الأفكار أيضاً وتضافر بينهما لتصنع لنا هذا المزيج الرائع .

لغة الكاتب كانت قوية جداً وجميلة ومتمكنة وبنفس الوقت مفهومة سهلة، لا هي بالمتقعرة ولا هي بالمبتذلة وطبعاً لم يستخدم الكاتب العامية مطلقاً ولا حتى في الحوارات .

بالنسبة للسرد اعتمد الكاتب تنويعة هائلة من تقنيات السرد واستخدم أكثر من سارد فبدأت القصة بالضمير المتكلم على لسان البطل "سليم" وكان يتكلم بلسانه عنه وعن غيره ثم تحولت إلى الراوي العليم ثم تنقلت بالضمير المتكلم على أبطال الرواية كلٌ بلسانه و كل فترة وأخرى كان يستخدم الراوي العليم، هذا التنويع في السرد فكرة رائعة وبديعة جداً ولا تشعرك بالملل أبداً فأنت تتنقل بين أرواح وعقول الأبطال ومع كل ذلك فبكل أمانة كنت أشعر ببعض الإرتباك في السرد أحياناً، وكنت أحياناً أشعر بالتوهان أثناء القفز من سارد إلى آخر، كما أن الكاتب في بداية الرواية سرد طويلاً بلسان البطل ثم بدأ بعدها بمداورة السارد وتبديله، وعلى كل حال كان تركيز الرواية منصباً أكثر على الأفكار كما قلنا .

العنوان أراه جميلاً رغم أنني لم أرى ارتباطاً عضوياً قوياً له مع الرواية وقد أشار الكاتب إلى أن هذا الإسم هو الشارع الذي يقطن فيه بطل الرواية وتحدث فيه الكثير من اللقاءات، وأعطاه الكاتب بعداً آخر في إشارته إلى نهر النيل والتسعون مليون إنسان اللذين يحيطون بهذا النهر ولا يريدون الابتعاد عنه ولو قليلاً ، وقرن هدوء هذا النهر وقلة فيضاناته بهدوء شعبه وميله إلى الركون والمسالمة و قلة ثوراته، وأكيد أنكم قرأتم شيئاً ما عن هذه النظريات التي تربط الجغرافيا بالبشر .

مآخذي على الرواية قليلة وذلك ليس مجاملة، ربما بسبب التقارب الفكري مع كاتب الرواية، ولكن صدقاً رواية تستحق الكثير من الإشادة ومع ذلك أذكر هنا .

الشخصية الوحيدة التي لم تقنعني في كل الرواية ضابط الأمن شريف والذي أراد له الكاتب أن يكون إسماً على مسمى، وليس عدم اقتناعي هو وجود شخص في أجهزتنا البوليسية يحمل مثل هذه الأخلاق والضمير، فربما نجد مثل تلك العملة النادرة أقول ربما،

ولكن مبدأ عدم اقتناعي به أن شخصاً يجرم شريحة كبرى من الناس تبعاً لمواقفها السياسية والفكرية والدينية ويجرمها ويدينها ويصادر كل حقوقها، يستحيل أن يحمل مثل هذا الضمير الحي والإحساس المرهف والفكر الثاقب، "ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه"

والتجريم هنا ليس ما فعلت تلك الأسرة مما يخالف القانون، أو ما ارتكبت من جرم، إنما التجريم لمجرد الإنتساب أو حتى الميل النفسي، مما يجعل هذه الشخصية غير واقعية أبداً ومتناقضة من وجهة نظري، لمن لم يفهم كلامي الآن أكيد ستفهمه بعد قراءتك للرواية بإذن الله .

أيضاً أعتقد أن الرواية كانت تستحق غلافاً أجمل وأقوى من هذا الغلاف

الرواية مليئة بالإقتباسات الجميلة سأختار لكم واحد قد لا يكون أجملها

"كل المشاعر الخبيثة المضادة إنما هي مجرد مظاهر لاختفاء الروح الأصلية، الكراهية اختفاء للحب، الكذب اختفاء للصدق، الظلام اختفاء للنور "

وأخيراً أنصحكم بقراءة هذه الرواية، وأقول لكم حرام ترك مثل هذه الأعمال الروائية الفكرية، وقراءة بعض الأعمال لأسماء اشتهرت وتم تلميع اسمها وهي لا تحمل معشار القيمة الفكرية ولا المتعة الموجودة في مثل هذه الأعمال التي أتمنى أن تأخذ حقها من الإنتشار

كتبه العبد الفقير إلى الله محمد صباغ

هذا الاقتباس من رواية