لقد كنت أرضى من الدهر في أمركم أن يتزحزح لي عن طريقي التي أسير فيها، وأن يزويَ وجهه عني فلا أراه ولا يراني، ولا يُحسِن إلي ولا يسيء، ولا يتقدم إليَّ بخير ولا شر، ولا يتراءى لي مبتسمًا، ولا مقطبًا، ولا ضاحكًا ولا باكيًا، لو أنه رضي مني بذلك، ولكنه كان أذكى قلبًا، وأنفَذَ بصرًا، من أن يفوته العلم بأنني ما كنت أبكي على النعمة لو لم تكن في يدي، وما كنت أجدُ مرارة فقدانها، لو لم أذُقْ حلاوة وجدانها، وكان لا بد له أن يجري في سنة الشقاء الذي أخذ على نفسه أمام الله أن يجريَها بين عباده، فلمَّا عجَز عن أن يدخُل إليَّ من باب الطمع، دخل إليَّ من باب الأمل؛ فهو يمنحني المنحةَ، فأغتبطُ بها حِقبة من الدهر، حتى إذا علِم أن بذرة الأمل التي غرسها في نفسي قد نَمَتْ وأزهرت، وأنني قد استعذَبْتُ طعم النعمة التي آتاني، كرَّ عليَّ فانتزَعها من يدي أنعَمَ ما أكونُ بها كما تُنتزع الكأسُ الباردة من يد الظامئ الهيمان؛ ليعظُمَ وقوعُ السهم في كبدي، ويفدح سلب النعمة من يدي، ولولا ذلك ما نال مني منالاً، ولا وجد إليَّ سبيلاً.
الدفين الصغير.
مشاركة من غازي
، من كتاب