أنا والجبل والسماء كنَّا أصدقاء، تجمعنا جلسة واحدة آخر كل ليل ويجمعنا همٌ واحد ومزاجٌ متوافق، علمني الجبل من عزته وقسوته ومن لؤمه ما جعلني موجوعًا كفاية طيلة سنواتٍ لأختلي ـ كلما استعرت النار في أعماقي ـ برأسي وغليلي داخل كهفٍ صنعته لي الأقدار في جوفه يومًا، وكشفه المطر ذات ليل، أمسك في يدي قلبي الذليل المُهان وأظل أعصره في غيظ، آه لو تكتسب قليلاً من الشجاعة ومن البأس، أصبو لنزول "الكرنك" أرشف من دماء "الخفافيش" الذين يسكنونها على مهل، لكن أي وهم! كم أنا منكسرٌ وجبانٌ وذليل، لو فقط أتمكن من الوقوف دون خوفٍ أمامهم لأذكِّرهم بأمي، المرأة التي تكالبوا على شرفها، أذكرهم بالولد الذي لم يشفقوا على ضعفه وتركوه عرضة للموت هناك، خارج حدود بيوتهم، في قلب الليل وبرد الشتاء، أنبههم إلى أن (الخوَل) إياه أنجب رجلاً سوف يذلهم ويخضعهم قسرًا لانتقامه العبثي ..متشفيًا ..
وأقول لأمي كذلك: قد يأتي اليوم الذي تسترجعين فيه قسطًا من كرامتكِ المهدرة، اليوم الذي فيه تبتسمين ابتسامة راضية كابتسامتي، وتعرفين أن ولدك لن رحمهم، من يعرف؟! لعل طبائع الأشخاص تختلف باختلاف الزمن، لعلنّي أكتسب البعض من القوة والجسارة.
لكنني يا أمي لم أحسب حساب اليوم الذي ترقدين فيه، أمامي .. صامتةً ككل سنواتِ الغم، اليوم الذي سأترككِ فيه ممدةً دون حراك مؤجلاً دفنتك داخل أحشاء الجبل، متمنيًا أن أهبط عليهم بكل غضبي، أدوس على رؤوسهم رأسًا رأسًا، أجعلهم كلهم يفحون كالأفاعي أسفل قدمي راجين العفو، قائلين يتوسلون: الرحمة يا ابن عرفان!
الطيبيون > اقتباسات من رواية الطيبيون > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب