جعل الوقت يروح دقيقة بعد أخرى، وأنا أراقب الصقر من غير سأم، كانت أعصابي نافرة، الأفواه من حولي جميعها مطبقة،والآذان مرهفة، لا يجرؤ واحد على قطع هذه السيمفونية العصبية بأيّ شكل، بدا الاحمرار الذي ضخّه الدم في وجهي كأنّه من فعل (رع) ، لكنّه من سخونة التربّص ومن سطوة المشاهدة والأنفاس مخطوفة، الكلّ يتابعون ما يحصل في صمت وفي انتظار، أخذ الصقر يجوب حول الأرنب من فوق ليجبره على الخروج من أسفل لجّة الشجيرات، كان يدرك أنّه إن جازف وحاول اصطياده من بينها قد يُجرح أو يُهلك، فمكث بمكمنه في الأعلى يراوغ ويجتذب الأرنب للخارج من سائر الأنحاء محوّطًا إيّاه بصوته المجلجل الذي لابد وسيُفقده، ولو ببعض العناء، الروية والتنبّه، وسيدفعه للرمح محاولاً اللجوء إلى جُحره خوفًا، وبعد قليل، بدا أنّ الصقر كان متيقّنًا من طبيعة الفريسة، ومن أنّ الخوف حتمًا سيتملّكها، ويشتت اتّزان تصرفّها، خرج الأرنب على حذر، يتحسّس طريقه إلى الجُحر في توجّس، يثب خطوة ويقف قليلاً يجسّ عن مكمن خطر، ثم لم يدرك إن كان يرجع للجّة الشجيرات أم يُكمل قفزه نحو جُحره، وصفير الهواء في الأعلى يدنو منه في سرعة مذبذبًا ذلك الشعور من الحِرص، والذي تلاه اطمئنان نسبي، كان الجارح قد شقّ سكون اللحظة
بجناحيه واثقًا من أنّ لكبوة الأولى لن تتكرّر بحال، وحطّ على فريسته في سرعة وتباه وبأس، كطامّة ثقيلة هبطت من غير حسبان، غلّله بأرجله المتينة، طعنه في رقبته طعنة نافذة بمنقاره الحاد الذي يُشبه السّكين، واحتواه تحت جناحيه في سهولة، ثم راح يمزّقه في تلذّذ واستعذاب، ولم يكن يخرج من الأرنب صوت، ربما انكتم مختنقًا تحت حوزة الجناحين، وربما استسلم في الحال لتمزيق الصقر، بضعف الفريسة وقلّة حيلتها.
الطيبيون
نبذة عن الرواية
نحن أمام موهبة استثنائية، وفي أيام العرب كانوا يحتفلون بمولد الموهبة ويفتخرون بمولد شاعر بينهم، لذا علينا أن نحتفي بميلاد "أدهم العبودي"؛ مستقبل اإذا كنت من هواة التّاريخ وخاصةً تلك الحقب المنسية والتي لا يكاد يذكرها أحد فستقع في غرام هذه الرواية بكلِّ تأكيد..روايةٌ عجيبة تبدأ في مدينة "الأُقصر" في مصر حيث يظهر أحد مردة معبد "خنسو" فجأةً ويبدأ بملاحقة "عبيد" لينتقل معه بشكلٍ غريب إلى الماضي السحيق حيث كانت هذه المدينة تُدعى "طيبة" وكانت عاصمةً للأسرة الفرعونية الحادية عشرة والتي نسيها الزمن.. في أحداث أغرب من الخيال تبدأ شخصيات "الأقصر" بالاندماج مع شخصيات" طيبة" تحت حكم الملك الفرعوني "واح عنخ أنتف" ويخوضون معه حربه الشهيرة ضدَّ هيراكليوبوس ويشهدون المؤامرة الخبيثة التي أنهت تلك الفترة وأثبتت أنَّ البشر بطبعهم دمويون ومستعدّون لقتل أحباءهم من أجل الحكم. أسرارٌ مخيفة تكشفها هذه الرواية مما جعلها محطَّ جدلٍ شديد فور صدورها فالبعض حاربها والآخر وقف مصفقًا بإعجاب لكنّها تبقى من الأعمال المهمة التي ستعطيك جرعةً كبيرة من المتعة والتفاصيل والأسرار التي لا تظهر إلى العلن سوى نادرًا..التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2024
- 326 صفحة
- [ردمك 13] 9789776803947
- دار الرسم بالكلمات للنشر والتوزيع
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من رواية الطيبيون
مشاركة من إبراهيم عادل
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
إبراهيم عادل
الرواية الثالثة لأدهم العبّودي .. الأكثر ثراءً وتماسكًا .. وجودة ..
في مغامرةٍ غير مضمونة العواقب، يرحل "العبودي" إلى التاريخ الفرعوني، بعد صمتِ طويل وغياب كبير عن الرواية فيما أعلم، فيعمد إلى فترة خاصة من فترات حكم الأسرة الحادية عشرة، وهي فترة حكم (واح عنخ أنتف) الذي يدور في عهده أحد الحروب الشهيرة وهي حرب ضد "هيراكليوبوليس" وتنتهي بمؤامرة الابن الذي يقتل أباه ليستفرد بالحكم!
الجميل في الرواية ليس فقط غوصها في تلك الفترة التاريخية المنسية، بل ومهارة "العبودي" في تمثلّ شخصيات العمل العديدة واستنطاق كل شخصية والتعبير عن مكنوناتها ونفسياتها بوضوح شديد، بالإضافة إلى اللغة الخاصة جدًا التي يمتاز بها أدهم، والتي ظهرت بجلاء في هذه الرواية، فالأمر لم يقتصر عنده على الشخصيات التاريخية التي يبدو أنه درسها بشكل مستفيض، حتى يتمكن من التعبير عنها بتلك الدقة، ولكن أيضًا فيما أضافه من عنده من شخصيات من الواقع المعاصر والتي ترسم صورة "لـطيبة" وأهلها في هذه الأيام، حيث "شيخ البلد" المتسلط" و"عبيد" و"الخرفانة" وغيرهم وما وقع على الأول من قسوة أهل القرية عليه وعلى أمه، ورغبته الدفينة في الانتقام الذي لا يجد طريقًا إليه، وكأن الظلم والقسوة التي في هذا العالم موجودة منذ القدم وها هي ذي مستمرة معنا حتى الآن، شخصيات مثل " تلك الحكايات الجانبية التي تمثل عمادًا وأساسًا تسير عليه الرواية في خطٍ متوازٍ مع حكايات صاحب العرض الحاكم وحاشيته في العهد البائد ، وما يدور داخل القصر من دسائس ومؤامرات .. لا يبدو الأمر بعيدًا عنَّا أ[دًا، بل تبدو الدوائر كلها مكررة، ولم يعد الفرق واضحًا إلا في المسميّات ..
شكرًا أدهم العبودي على هذه الجولة التاريخية الأدبية الدسمة ..
..
تحتاج هذه الرواية ـ شأن الأعمال الكبرى ــ إلى أكثر من قراءةـ وإلى كتابة أكثر تفصيلاً .. ربما تتاح لها فرصة أخرى
.
وتمنياتي أن تصل هذه الرواية ـ بسلام ـ إلى بوكر ..