جعل الوقت يروح دقيقة بعد أخرى، وأنا أراقب الصقر من غير سأم، كانت أعصابي نافرة، الأفواه من حولي جميعها مطبقة،والآذان مرهفة، لا يجرؤ واحد على قطع هذه السيمفونية العصبية بأيّ شكل، بدا الاحمرار الذي ضخّه الدم في وجهي كأنّه من فعل (رع) ، لكنّه من سخونة التربّص ومن سطوة المشاهدة والأنفاس مخطوفة، الكلّ يتابعون ما يحصل في صمت وفي انتظار، أخذ الصقر يجوب حول الأرنب من فوق ليجبره على الخروج من أسفل لجّة الشجيرات، كان يدرك أنّه إن جازف وحاول اصطياده من بينها قد يُجرح أو يُهلك، فمكث بمكمنه في الأعلى يراوغ ويجتذب الأرنب للخارج من سائر الأنحاء محوّطًا إيّاه بصوته المجلجل الذي لابد وسيُفقده، ولو ببعض العناء، الروية والتنبّه، وسيدفعه للرمح محاولاً اللجوء إلى جُحره خوفًا، وبعد قليل، بدا أنّ الصقر كان متيقّنًا من طبيعة الفريسة، ومن أنّ الخوف حتمًا سيتملّكها، ويشتت اتّزان تصرفّها، خرج الأرنب على حذر، يتحسّس طريقه إلى الجُحر في توجّس، يثب خطوة ويقف قليلاً يجسّ عن مكمن خطر، ثم لم يدرك إن كان يرجع للجّة الشجيرات أم يُكمل قفزه نحو جُحره، وصفير الهواء في الأعلى يدنو منه في سرعة مذبذبًا ذلك الشعور من الحِرص، والذي تلاه اطمئنان نسبي، كان الجارح قد شقّ سكون اللحظة
بجناحيه واثقًا من أنّ لكبوة الأولى لن تتكرّر بحال، وحطّ على فريسته في سرعة وتباه وبأس، كطامّة ثقيلة هبطت من غير حسبان، غلّله بأرجله المتينة، طعنه في رقبته طعنة نافذة بمنقاره الحاد الذي يُشبه السّكين، واحتواه تحت جناحيه في سهولة، ثم راح يمزّقه في تلذّذ واستعذاب، ولم يكن يخرج من الأرنب صوت، ربما انكتم مختنقًا تحت حوزة الجناحين، وربما استسلم في الحال لتمزيق الصقر، بضعف الفريسة وقلّة حيلتها.
الطيبيون > اقتباسات من رواية الطيبيون > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب