تمهيد:
سبق لي ان قرأت كامل أعمال الكاتب - ٤ روايات - والحقيقة ان ظني لم يخب مع كل عمل جديد يقدمه ، بداية من ( أوراق يحي درويش ) التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة خيري شلبي ، ( نصف قمر اسود ) ، مروراً برواية ( الطيور تهجر السماء ) ونهاية برواية ( بعد المغيب ).
احمد السملاوي حكاء ماهر يجيد تقديم الحواديت التي تحمل بصمات لمدارس ادبية مختلفة تخرج فيها مثل: خيري شلبي ، بهاء طاهر ويوسف القعيد وغيرهم.
وهنا احب ان اسجل موقفي بشكل مبكر:
( عزبة بركة ) رواية تستحق الترشح لجائزة ادبية مرموقة ان لم يكن الفوز بها.
اذا حدث هذا مستقبلاً فها انا قد توقعت مسبقاً.
---------------
التقييم:
* المميزات / نقاط القوة *
- رواية اجيال كاملة ذات عدد صفحات متوسط.
- احساس عال جداً بالزمان رغم اختفائه في خلفية الأحداث.
- لغة سرد بديعة جداً بلا تكلف او استعراض لغوي ، لغة حوار رائعة تعكس البيئة والمكان بكل دقة.
- شخصيات أصيلة وغير مصطنعة من صميم وقلب القرية المصرية.
- نهاية الرواية ذات طابع فلسفي نوعاً ما يطرح تساؤلات عديدة.
-----
* العيوب / نقاط الضعف / الملاحظات *
- لا يوجد. على الأقل من وجهة نظري الشخصية المتواضعة.
---------------
مراجعة الرواية:
ان تقدم رواية اجيال بكل هذا الكم من التفاصيل في عدد متوسط من الصفحات ودون ان ينفرط عقد الرواية ، فهذا ينم عن موهبة ادبية واضحة وهذا امر مفروغ منه بالنسبة لي في ضوء تجاربي مع روايات الكاتب السابقة.
( عزبة بركة ) هي نموذج مصغر من المجتمع المصري الذي اصابته العديد والعديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، جعلته عالق في المنتصف بين ماض ذو جذور متشعبه ترهق كاهله وحاضر لا جديد فيه تحت الشمس وكل شيء سيان ومستقبل بمتغيرات تعصف بكل الثوابت والقيم والمبادىء.
هيا بنا نناقش عناصر هذه الرواية الرائعة قليلاً بدون الكشف عن أي تفاصيل.
* الفكرة / الحبكة *
قد تبدو الرواية تقليدية في بادىء الأمر لكن سرعان ما تجد نفسك سابح وسط تيار ادبي جارف مليء بكم من التفاصيل والاحداث التي غطت فترة زمنية طويلة تصل الى نصف قرن.
حكاية تجمع الهزيمة والانتصار والحزن والفرح والأهم هو احساس الفقد المسيطر على الاحداث طيلة الوقت. كأن هذا الوطن يفقد كل يوم شيئاً ما من تكوينه وتفاصيله ويتحول تدريجياً الى شبح او صورة مهترئة لماض وتاريخ عريق اصبحت مليئة بالندبات والخدوش التي لا يصلح معها اي ترميم.
اتسمت الرواية بمعالجة بديعة لصراع الهوية والأصالة ما بين الايمان والتمسك بها لأقصى حد وبين الترك والانجراف بعيداً عنها نحو حداثة لامعة وبراقة اشبه بالسراب.
* السرد / البناء الدرامي *
السرد من اقوى عناصر الرواية. تنقلت الرواية بين انماط السرد المعتادة - راوي عليم ، متكلم - بشكل سلس جداً لا تشعر معه بأي غرابة. ورغم ذلك فالزمن هو الراوي الفعلي والحقيقي للأحداث دون شك.
ينقلك الكاتب من الحاضر للماضي بدون اي شعور بالارتباك والأهم ان احساسك بزمن الأحداث المختلف والمتباين دائماً ما يكون في اقصى حالاته من خلال تفاصيل صغيرة تدور في الخلفية طيلة الوقت.
اخذك الكاتب من فترة الحكم الملكية مروراً باشتراكية عبد الناصر ونكسته وانتصار السادات وانفتاحه وسلامه وانتهاءً بزلزال مبارك عام ١٩٩٢ ، كل هذا من خلال لمحات واسقاطات متناثرة هنا وهناك تجعلك لا تفقد بوصلتك نهائياً.
* الشخصيات *
حدث ولا حرج هنا. ست ابوها وبركة وأصيلة والسنيورة وفادية وحافظ وجمال وحتى الديك رضوان يحملون من الرمزية ما يشبع نهمك وفضولك.
الاهم انها شخصيات أصيلة من طين الأرض الطيبة. بناء مُحكم ذو تفاصيل حية تتفاعل معها وبها طوال الأحداث.
* اللغة / الحوار *
التمكن والابداع بدون تكلف او اصطناع. اللغة في الرواية تعكس الزمن والمكان بكل دقة.
لغة الرواية من ناحية السرد قوية بلا فذلكة او استعراض وفي نفس الوقت هي لوحة فنية تحمل من الوصف الجميل المُشَبع بلمسات مستوحاه من القرآن الكريم والأقوال المأثورة ما يجعلك في حالة استمتاع مستمر.
من ناحية الحوار جاءت اللغة بالعامية الفلاحي وهو الخيار الأمثل لصوت مجتمع القرية ممثلاً في عزبة بركة.
* النهاية *
طرحت النهاية تساؤلات بشكل فلسفي بسيط تدور حول ماهية المستقبل المنتظر لوطن عصفت به مقدراته. هل سننجح في الهروب والتحرر من قيود الماضي واشباحه بانفسنا ام تأتي هزه من القدر تعيدنا الى المربع صفر مرة أخرى ؟.
---------------
ختام:
رواية ارشحها لمحبي روايات الاجيال عموماً وخاصة لمن لا يحبذون الاحجام الكبيرة منها.