اقتباسات من كتاب أنبياء الله

قانون أزلي لا يتخلف في حياة الشعوب والأمم.. تظلّ هذه الأمم قويّة ما ظلّت صلتها بالله صحيحة وقويّة، فإذا هجر الناس جوهر القوة، وهو الاستمداد من الله، وانصرفوا إلى مظاهر العبادة دون حقيقتها، وخطف أبصارهم بريق الترف، وتاجروا بالديانة بدل خضوعهم لله.. إذا وقع هذا بدأ عصر انحدار الأمم.. وساق الله إليها مَن يجوس خلال الديار.

ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سُلَّم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (والله غالب على أمره).. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين.. ينفذ من خلال تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.

❞ تلك منذ أقدم العصور إلى اليوم أساليب الأنظمة الكافرة.. وهذا سلاحهم منذ أقدم أيام الخليقة.. لا يعمدون إلى العقل أو الفكر أو الجدل والبرهان.. إنما تمتد الأيدي إلى السلاح والقتل. هذا أسلم الحلول عندهم وذلك تصورهم. إن القتل يطوي المشكلة ❝

كان المسجد صغيرًا فقيرًا، يمتلئ بالعمالقة.. ولم يكُن شامخًا مزخرفًا يمتلئ بالأقزام.. كان القرآن يُتلى في المسجد، فيعتبر مَن يستمعون إليه أنهم يتلقون أوامر يومية للتطبيق والتنفيذ، ولم يكُن القرآن يُتلى في المسجد غناءً وتطريبًا فيتصايح الجالسون إعجابًا بأداء المغني وصوت القارئ..

وصار أَلَمُ المسلمين يعنيهم على تنائي الأمصار والديار، ويؤثِّر في نفوسهم ويحرمهم نعمة النوم، ومذاق اللقمة، ومعنى الحياة..

فلمّا نزل الإسلام عليهم، صاروا هُداةً البشرية.. وسادتها وعلماءها بالحق.. وأخذ عنهم الغرب ما يريده لتقدمه، وظلّ يزحزحهم عن الإسلام حتى عاد الإسلام إلى الكتب، ولم يعُد له وجوده الحي المؤثر في الناس، بعدها صار سهلًا على الغرب أن يحكم المسلمين بما أخذه منهم من العلم.. وأن يسوقهم قطعانًا مدهوشة إلى حظائر منتجاته واكتشافاته، وهي أشياء كان ينبغي أن تكون من اكتشافهم وإنتاجهم، لو أدركوا معنى الإسلام وحرصوا على إحيائه.

إذا فهم التوحيد على حقيقته، تحرّر الإنسان من عبوديته لغير الله.. وتحرّر الإنسان من خوف الموت، وهَمِّ الرزق.. وتحرّر الإنسان من شُحِّ النفس، ورعب الأيام القادمة..

وخشية الله لا تنبع إلا من العلم، يستحيل أن يلد الجهلُ بأي صورة من صوره أيَّ خشية من أي نوع.. والعلم في الإسلام إذن ضرورة أساسية.. وليس ترفًا أو حلية.. ولقد عزّ المسلمون وحكموا الأرض يوم فهموا الإسلام على حقيقته.. فلمّا سقط منهم هذا الفهم، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه في الجاهلية.. عادوا لا يملكون من أمورهم شيئًا، فضلًا عن أمور العالم..

أن الإيمان بالإكراه ليس إيمانًا، ينقصه الاختيار الحر.. وهو شرط الإيمان. ولعل من تمام كمال الإسلام موقفه هذا.. ونحسب دون أن نُقحم تفسيرنا على الآيات.. مستغفرين الله من الخطأ والزلل.. نحسب أن الإسلام أراد بموقفه هذا أن يجنّب عامة أتباعه هذا الجدل الطويل العريض حول عقائد الآخرين. وهو جدل لا ينتهي إلى شيء ذي بال. ليبحث العلماء كيفما يشاؤون في الأديان، فهذه مهمتهم أولًا وأخيرًا. أما عامة المسلمين فعليهم أنفسهم.

❞ وذهب فريق إلى التسليم في أمرها.. والتوقف. ونحن نختار هذا الرأي.. أن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئًا بالقياس إلى العبرة التي تُستخلص مما حدث فيها. ❝

أُصبِح وليس لي شيء وأُمسِي وليس لي شيء. وأنا طيّب النفس غير مكترث. فمَن أغنى مني وأربح؟!

أفهم عيسى كهنة اليهود أن الدعاة إلى الله ليسوا جلَّادين منتدبين لتطبيق حكم الشريعة دون نظر إلى المجتمع الذي تجري فيه الخطيئة. إنما يجيء الدعاة إلى الله أساسًا رحمةً بالناس. والرحمة هي هدف كل هذه الدعوات الإلهية..

وكعادة الدنيا كان كلُّ شيء يتصارع مع ضده.. الخير والشر، النور والظلام، الحقيقة والكذب، الأنبياء والطغاة، كلُّ شيء كان يعيش صراعه من أجل البقاء.

عاد بنو إسرائيل إلى ظلمهم لأنفسهم.. اعتقدوا أنهم شعب الله المختار، وتصوَّروا انطلاقًا من هذا الاعتقاد أن من حقهم ارتكاب أي شيء وكل شيء.. وعظمت فيهم الأخطاء وتكاثرت الخطايا وامتدّت الجرائم بعد كتابهم إلى أنبيائهم، فقتلوا مَن قتلوا من الأنبياء..

وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتجّ نبي الله موسى على تصرفٍ يجري أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكليّة التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة..

ونحب أن نبتعد عن هذا الجدال كله.. لا لأننا نعتقد أن كل الأنبياء سواء.. إذ إن الله سبحانه وتعالى يحدثنا أنه فضَّل بعض النبيين على بعض، ورفع درجات بعضهم على البعض.. غير أن هذا التفضيل ينبغي أن يكون منطقة محرَّمة علينا، ولنقف نحن في موقع الإيمان بجميع الأنبياء لا نتعداه. ولنؤدِّ نحوهم فروض الاحترام على حدٍّ سواء. لا ينبغي أن يخوض الخاطئون في درجات المعصومين المختارين من الله.. ليس من الأدب أن نفاضل نحن بين الأنبياء. الأولى أن نؤمن بهم جميعًا.

إن الانحراف عن الإيمان بالله.. ولو شعرة واحدة.. ينتهي بالإنسان إلى كبرياء تضطرب معها الحقائق، وتختلط الأمور، ويصبح الادعاء الكاذب شيئًا منطقيًّا ومفهومًا ولا حاجة لتحليله..

❞ ولهذا السبب كان الله يحكي القصة مرة ومرتين وعشرين.. وفي كل مرة يعطيك تأثيرًا معينًا، ويملؤك بإيحاء خاص، يختلف عما سبق أن أعطاه لك.. وهذه معجزة في فن الكتابة. لا ترى لها مثيلًا في أي كتاب على الأرض غير هذا ❝

يعتقد كثير من الناس في زماننا أن الدين مجموعة من القضايا المجردة، والقيم الأخلاقية.. وهذا اعتقاد قديم وخاطئ.. إن الدين في حقيقته الثانية أسلوب للحياة والتعامل.. حقيقته الأولى أنه صلة بالله..

إن أعظم مسلمَين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يجعلهما مسلمَين له.. يعرفان أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن –سبحانه- ولا يأمن أحدهما مكر الله تعالى، وهما يعبدان الله أصفى ما تكون العبادة، ويبنيان بيته المعمور، ويسألانه أن يتقبل عملهما.. ويسألانه بعدها الإسلام.. وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين والطائفين والركع السجود..