اقتباسات من رواية منروفيا

فللموت حرمة ورهبة لا تعرفها الحروب،

الحزن كالطاغوت لا فرار منه إن تملك من نفس يُلبسها ثوب الشجن ويغتسل بالدمعات التي تفيض بها الروح. قد يعتصر الروح حتى تهلك،

كل منا يمتحنه الحزن في مناحي من الرحلة، يقسو في أحيان ويرق في أحيان، من البشر من يصاحب الحزن، ومنهم من يقاومه، وكل له ما يبرر مسلكه.

الحياة طالت أو قصرت لحظات تنتزع انتزاعًا من قبضة الموت الرابض فوق أعمارنا

تدري؟ تهبط الأرواح إلى أرحام النساء في لحظات يصدق فيها العشق، فنتخلق كالسحر بشرًا، نبزغ بالحب أجسادًا من أديم هذه الأرض الطيبة ونحيا لنحب ونعشق وتستمر دورة الحياة.

دائمًا ما يعرف الحزن السبيل إلى أقداره، رحمة له مرفأ وفنار يهدى العمر الضال في بحار اليأس، لكن أين السبيل إليها! الليل حالك والرؤى يحجبها ضباب من مجهول.

لو كان الحب قيدًا وشقاءً فلماذا يسعى إليه الجميع، لو كان الحب قيدًا وشقاءً فما هذا الذي بينه وبين رحمة! إنه سعادة بغير حدود، لو كان الحب صدقًا فلماذا لا يدوم!

ولد الإنسان للموت، العيش للفناء والأرض إلى زوال، الموت هو الحقيقة الوحيدة الساطعة منذ الأزل!

الجوع الذي يهتك الأحشاء لا يشعر به حقًّا غير هذا الذي يستجدي الإطعام، ما يمكن أن يكابده أحدٌ ما من عوارض متجلدًا بصبر، قد تقشعر لها جلود آخرين وتنهار نفوسهم، من ذا يزايد على رجفة بدن إن آن الخوف ليلًا،

من يستطيع أن يقول إن في الجوع والحرمان والخوف مبالغات! هي مشاعر خاصة تنحو بكل فرد فيما يدركه، ليعبر عنه كيف استطاع.

بدت الإسكندرية أكثر إبهارًا وخيلاءً وقسوة من منروفيا، البحر أكثر ضيقًا وأقل قوة ويفتقد لأفلاطونية المحيط، الأفق دانٍ والموج أقل جبروتًا، والشواطئ تئن من آثام البشر، وجوه عابسة ووجوه لا تبالي، ووجوه لا خوف فيها لكن يسكنها حزن.

الحب يعبرنا أو نعبره، يسايرنا حينًا لكنه لا بد يفارق!

‫ أنت لا تدري لا تعرف لا تفقه كنه الحب، ما تعرفه عن الحب غائم مختلط، مطلسم، يستعصي على وعيك!

‫ كلا، الحب أيضًا يزول!

لا نملك إلا أن نمتد لقادم الأيام، لا نستطيع أن نستبق حوادثها إلا بأمل أو بحلم.

يتقافز الأمل بينهم كالبهلوان يتحسس خطواته ألا يسقط في الجحيم تحت ذاك الخيط الرفيع الممتد من شفا اليأس إلى حافة الرجاء، علمتهم غريزة البقاء أن «الآن» أثمن من أن يضيع دون متعة وانتشاء! وإن تبكي القلوب لا تكف الجذوع عن الرقص

البشر في هذه البلدة وعلى اختلافهم يعيشون فرائس في غابة وحوشها من الفقر والجهل، أما مليكها فهو الموت!

تساءل، إن لم تلده أكانت تقبل العيش التعس الذي أفنت عمرها فيه! سالت دمعة من تحت جفنه، نزغ له أن ميلاده كما هو سجن له كان سجنًا لها!

الإنسان كائن مثل كل الكائنات، غريزي إن غاب عقله وكفرت نفسه ضميره، يبحث دائمًا عن إشباع شهواته، يتحرك دائمًا للبحث عن الأمن والراحة والمتعة أيما كانت.

تلك أمانيها، تُعينها على تحمل واقعها القشِف القاسي، شغفٌ بالغد الزاهر ينقلها خارج إطار عوز اليوم المخزي،

مع كل حرب تستعر يخسر الكثير من تجارته وماله، لكن يكتسب مزيدًا من التشبث بهذه الأرض، يزداد عنادًا، يبحث من جديد عن نقطة بداية ليعيد بناء حلمه

أرحل بعد أن سقطت ورقة التوت عن سوءة نفسي، وتركت بحمرة تراب هذه الأرض نبضًا من قلبي الذي يئن للفراق، ودمعات على رحمة وجدتها، وفررت خوفًا على حياة لا تساوي شيئًا بدونها.