هناك عوالم تعيش علي الحكايات وتتأثر بها للدرجة التي تجعل الحكاية جزء من وجدان تشكيل أصحابها، منها بلا شك عالم القرية صاحب الحكايات المهولة والإرث الغني بتنوعة وتفاصيلة التي تخالف في ظاهرها الذي يبدو فيه النقل والتكرار علي أساس المكان والأصول والحدود عن باطنها الذي يُمثل الأفراد بهيئاتهم المُغايرة وحكاياتهم المُختلفة.
يدخل بنا الأستاذ هاني القط إلي عالم تاج شمس، يبدأ بترسيم القرية ووصف حدودها وأبعادها بطريقة ناعمة مُمتعة كرسومات اللوحات الدقيقة الذي يظهر من خلالها براعة الفنان في اهتمامة بالتفاصيل واختيار الأسلوب المناسب لتوضيح هذه التفاصيل وإظهارها.
ومن ثَمّ فقد شرع في إيجاد شخوصة وتلبيس كل واحدٍ منهم حُلته التي سيُكمل بها مشواره في الرواية وطريقة في حكايات تاج شمس.
حكايات فرعية جمعت بين الحب والعشق وأشكال مُختلفة من الابتلاءات والمِحَن، دروب كبيرة وصراعات أغلبها مجهول لكن له دوافعة التي تُذهِب بالشخص إلي ما وراء الشمس لتحقيق مُبتغاه ونيل مرادة.
مثّلت كل قصة بذاتها حكاية جميلة تجعلك لا تعرف عن أيّها تتحدث، عن الجليلة وشموخها النابع من أصلها الطيب ومعدنها الأصيل، عن كراماتها وصونها للأعراف وحفظها للتقاليد الذي جعل الجميع يحبونها ويقدرونها حتي وإن كانوا علي خلاف معها، عن رضوان وكوكب الذي أذهب الميّت بما تبقي من جمالها وعقلها أم عن قنديل الذي عاد من الموت لغاية لا يعلمها ولم تتكشّف له إلا في البعيد، أم عن خليل الذي توّهته أسألتة ثُم ذاب ما تبقي منه في الحب.
دارت القصص حول حدثٍ أكبر يتمثل في صراع السلطة والريادة علي كُرسي عمدة القرية الذي مثّلة راضي في البداية ثم تتابع عليه كثيرون غيره بنفس طريقة إستيلائه عليه، كان ذلك يحدث علي مرأي ومسمع من الجميع لكن لا أحد يهتم أو يتفاعل مع الحدث، الجميع يُضمرون الكُره أو الرضا بداخلهم ويكتمونه عن ألسنتهم حتي وإن نطقت به قلوبهم.
لغة الرواية كانت شاعرية ناعمة تناسب هدوء إيقاع الأحداث وأجواء الدراما التي تضمنها العمل، لكن هذه الغلبه لهذا الرتم من الإيقاع أخبت ذروة التفاعل مع أحداث مفصلية كتولي مختار للعمودية، وعودة قنديل إلي الحياة بعد الدفن، أجواء من شأنها أن تُحرك في قارئها شيئاً من الإثارة لانتظار ما ستُسفِر عنه تفاصيل الأحداث التالية وهذا ما لم يحدث.
أيضاً في سياق الحكاية الكُبري وصراع السلطة انتهت القصة حرفياً بالنسبة لي بعد موت الأبيض، إلي هُنا تمّ مُراد الكاتب وظهرت غايتة جليّة ووضحت فكرة أن الأيام تدور والغادر اليوم غداً سيبقي المغدور، هي دورة القدر التي لا مفرّ منها بحكم أصول العقائد وثوابت التاريخ، لذا فإن مُتتاليات الحدث بعد موت الأبيض - بالنسبة لي - لم تُمثل شيئاً غير الدوران في نفس المعاني بلا إضافة أي جديد، وهو ما انتقص من جماليات الرواية ومُتعتها التي كانت ستجعلها أكثر روعةً وبهاءًا إن تم إجتزاء بعض حكاياتها أو اختصارها بما يخدم الفكرة ومرونة النّصّ.
أيضاً لم يروقني الغياب المتكرر لبعض الأشخاص بنفس الطريقة وتغييبهم عن المشهد لانتهاء أدوارهم بنفس النمط.
كما بدأت الأحداث والحكاية من تحت ربوة تعلوها دوار الجليلة انتهت الرواية أيضاً في منزلها لكن لمرور السنون تداعيات ينقلب بها الحال وتتغير بفعلها الأشياء ويختفي البشر والحجر ومن بعدها يظهر أُناس آخرون بحكاياتٍ أُخري تحملها نفس الأرض التي حكت ما حدث في تاج شمس.
رواية جميلة في ذاتها مُميزة بأسلوبها الحكائي وقصص شخصياتها المُعبرة وفنية سردها الجميل.