اقتباسات من كتاب حلمت بالنهر يطفو فوق جثتي

كانت المدن البعيدة تُشكِّلني

‫ من جديد كلَّ صباح

‫ لأصبحَ نسخاً لا نهائية

‫ للرجلِ الذي أخشاه.

وجهٌ عرفتُ فيه أنّ

‫ الرجال عنيدون أمامَ البكاءِ

‫ ومسالمون أمام الموتِ.

‫ كان يمشي معي

‫ لندفن الحنينَ الذي تورَّم داخلنا،

‫ في صمتنا الذكوري الكئيبِ،

‫ ونحنُ بلا أسماءَ نستظل بها

‫ من شمسِ الكويت

كلّ أرض لم تقدس

‫ دموعنا.. عرقنا.. دمنا

‫ هي الموت الرخيص

‫ والقبر الذي لا يستر

‫ ميتاً يحيا داخله.

كيفَ أهلكُ المدنَ

‫ التي أكرهُها؟

‫ لستُ إلهاً بموظفين ثقال الدم

‫ لألعنها بالروتين اليوميّ

‫ وببرجوازية الفن والموت المثاليّ

‫ فأنا الهش الهامشيّ المهشم

‫ لا أبني غيرَ خرابي.

اسمي؟

‫ نسيته في النهر، أو في القبر

‫ أو في شعرِ حبيبتي

‫ أو في خيمة العراف.

‫ فاعطني مشنقةً ورغيف خبزٍ

‫ وقلماً لم يذل في مواخير المرتزقةِ

‫ كي أموتَ، كمعجزة أخيرة.

كلما قررت أن أموت

‫ تعيدني الحياة لهشاشتها

‫ لأحرس أوهامي وأحرثها

‫ وأشاهد زوالي المتجدد

سأكون ذلك المريض الذي يخلع

‫ أجهزة التنفس عن أحلامه كلها

‫ ليموت سعيداً في النهاية

ذات يوم.

‫ سأنزع تلك الرغبة في الحياة

‫ كمريض أحب الموت فجأة

‫ لأن ورم الحياة كبر بما يكفي

‫ ليصير جسداً آخر يعايره بالضعف.

أشعر أنني مموه تماماً..

‫ ضئيل جدا..

‫ هامشي جداً..

‫ شفاف للحد الذي أصلح

‫ فيه أن أموت، ولا يرثيني أحد.

في المرايا لا أرى نفسي ‫ وأرى كل أعدائي ‫ الصوت الذي أتكلم به ‫ هو صوت أحدهم ‫ العين التي أرى بها ‫ موتي القادم كالجحيم ‫ هي عين أحدهم ‫ ذاكرتي هي حياة أخرى ‫ عاشها أحدهم

في السنةِ التي فقدتُ فيها صديقاً ‫ تحتَ عجلاتِ المترو، ‫ كانت الشوارعُ ‫ تختنقُ بالبارودِ وبالخوذاتِ، ‫ وكانت السيدةُ، التي تمرُّ على أشلائه ‫ كل صباحٍ، تفرقُ علينا البكاءَ بالتساوي، ‫ فيفيضُ ‫ لنعطي منه للباعةِ في الأنفاقِ ‫

تسأل المذيعةُ جُندياً ميّتاً

‫ يقفُ تحت ضوء النيون الخافت في المترو،

‫ في انتظار رفيق

‫ ما يزال يبحث عن قدميه:

‫ هل أنت سعيدٌ؟

ثم ألقي جسدي في أول

‫ باص، فيه دُمى نُحاسيةٌ، تُشبهني،

‫ لأسُب الفقر وعنصرية الرصاص.

ليسَ هنا أسوأ من

‫ سجنٍ أنتَ سجينُه

‫ وسجّانُه

كلما رأيت كومة

‫ للقمامة، رأيت من

‫ يفتش فيها عن

‫ بقايا وقت أو فرح،

‫ وأراني مكانه

‫ أبحث عني

❞ ليسَ هنا أسوأ من

سجنٍ أنتَ سجينُه

وسجّانُه

أنا النزيلُ الوحيدُ

لعالمي القديمِ،

كلما واجهتُ باباً

أحسستُ بالأُلفةِ

ورسمتُ له الزنزانةَ

والسجان ❝

❞ ذات يوم

سأنزع تلك الرغبة في الحياة

كمريض أحب الموت فجأة

لأن ورم الحياة كبر بما يكفي

ليصير جسداً آخر يعايره بالضعف

سأكون ذلك المريض الذي يخلع

أجهزة التنفس عن أحلامه كلها

ليموت سعيداً في النهاية

ويدخل في أقرب مرآة

ليعانق الأعداء ❝

‫ أنا عامل باليومية

‫ أخرج كحشرة من بيتي

‫ فلا أجد ملائكة تلمع الفتارين

‫ ولا حورية واحدة

تقعد تحت صورة ‫ الرئيس،

تمسك الجيتار وتغني

‫يعاملني الأستاذ الجامعي

كأني فقمة ‫

خرجت من طست الغسيل

لتشم الهواء

‫ تعاملني مذيعة التوك شو كأحدب

‫ سيمزق لباسها في برج الكنيسة

‫ ويقرع الأجراس

‫ تشك الدولة في نواياي الطيبة؛ ‫

ترسل، بعد العشاء، مملوكا بآلة حاسبة

ليعد كم طفلا تلده زوجتي في اليوم

‫ وهل المولود فيلسوف أم صاحب سوابق

‫*** ‫

من أجلي قامت ثورات،

وهدمت ضيع ومسارح ‫

من أجلي أرسل الله الانبياء

‫ فذهبوا جميعا لزيارة المتحف

‫ وتركوني في مكتب البريد

‫ أفرز رسائل المساجين

وأتفل على الطوابع ‫

ها أنا في قاع التاريخ

‫ أنتظر الحضارة لتدور كساقية

‫ عارية الفخذين على طاولة القمار

‫ مذ قال آدم:

‫ «يارب هذي ذريتي فخذ منها

‫ ما شئت من قتلة وحدادين

‫ وظلل بعطفك ما شئت من جباة

‫ وشعراء يبولون على الرصيف».