"إن أسوأ صنوف الشقاء هو ذلك الذي يتكبده المرء بلا سبب مُحدد. ذلك الذي يأتي من كل مكان، ومن لا شيء على وجه التحديد. وكأنه لا وجه له".
تدور رواية "الجنوب" للكاتبة الاسبانية "آديلايدا غارثيا موراليس" حول علاقة ابنة بوالدها، وطريقة تعامل كلاً منهما مع الآخر، فالأب من الواضح أنه عدمي لا يؤمن بالحياة كثيراً، وكان دائماً في صراع بين حبه لابنته، وعدم اقتناعه بجدوى أي شيء، وكأنه خرج من سلسلة هزائم، لا يتحدث عنها، ولكننا نفهمها، فتلك الرغبة من إنعدام الحياة، ناتجة عن الكثير والكثير من الخيبات، التي حفرت على قلبه تجاعيد، وعلى روحه سواد، وعلى الرغم من حبه الشديد لابنته، ولكنه، لا يزال، قلقاً، حول كل شيء.
"وأنت لا تدري أي شيء رهيب قد يكون استحضار وجه بصفاء، وجه لم يعد على قيد الوجود، الآن، في صمت هذه الليلة."
من الناحية الأخرى، فهذه النوفيلا -ذات الـ75 صفحة- وكأنها رسالة طويلة موجهة من الابنة إلى الأب الذي فارق الحياة، ونعرف ذلك من أول سطر في الرواية، فتوجه الابنة إلى والدها عتاب مرير، ورثاء مُبكي، بل ويمتد الأمر إلى البحث عن تاريخ الأب الشخصي، ومحاولة فهم الأسباب التي جعلته بهذا الشكل، فهي تتذكر جيداً أنه يُحبها، وتتذكر جيداً أنه لم يكن كذلك معها طوال الوقت، هناك خطباً ما وهي تسعى إلى معرفته.
ختاماً..
نوفيلا مليئة بالمشاعر، حزينة، ومؤلمة، ستجعلك تُفكر دائماً في الآخر، وكل تلك العلاقات المُتشابكة التي أصبحت ترتبط بمصيرنا بشكلاً ما سواء كانت العائلة أو الأصدقاء أو الأحباب، فالأب يرى أن الحرية تكمن في أن يختار الوقت موته، ويرى أن تلك العلاقات تقف أمام تلك الحرية، السرد الدافئ والحميمي يحمل ألماً دفيناً، حتى وإن كان أغلب من يتحدث الابنة، ولكن ذلك سيكون كافياً تماماً لمعرفة صورة شبه واضحة عن الأب، وحتى الأم، التي يُمكن أن نفهم معانتها على الأقل، الوصف لم يقتصر على المشاعر الدقيقة والمُعقدة بل امتد إلى الأماكن والمدن، فرسم صورة من أصوات وحكايات، ورغم كل ما حكيته فصدقني هناك أكثر لم أحكيه عن هذه النوفيلا. وكالعادة؛ ترجمة مارك جمال جاءت مُتميزة.
ينُصح بها بكل تأكيد.
3.5/5