قارئة نهج الدباغين
احيانا تشعر انك امام عمل له بنية فنية جميلة، لكنه يفتقد لمعالجة فكرة الرواية بنفس جمال، أو اتقان بنيتها الهيكلية.
الرواية سلطت الضوء على مسألة التحول الجنسي، او كما تصر الرواية على تسميته العبور الجنسي، و الفرق شاسع بين الاستخدامين.
لا مشكلة لدي مع طرح اي موضوع لمعالجته روائيا، ولا اعترف بالتابوهات التي تمنع الروائي من ان يتحدث عما يريد.
لكن ما يثير استيائي هو أدلجة النصوص، والاسقاطات الجاهزة، والتي تنمط البشر، مثلا في هذه الرواية التي تحمل فكرة فهم الاخر و قبوله على ما هو عليه أو ما يود ان يكونه، بدون احكام مسبقة بسبب شكله او ميوله، نجدها تنمط كل ما له علاقة بمظاهر التدين،تخلف، غوغاء، قبح، اجرام، كره ، حقد، اقصاء.
ذات الخطاب الغربي الذي مللنا تكراره، وكأن كل من يحمل تلك السمات الشكلية فهو متخلف ،ظلامي!
هاكم هذه الاقتباسات من الرواية: ألا يوجد من يحاول تغيير هذا الوضع؟» تونس الخضراء الفاتنة احتلّتها قطعان الماعز القروسطيّة، وعاثت فيها تخريبًا وفسادًا. ألا يوجد كتّابٌ ومفكّرون يشعلون شمعةً وسط هذا الظلام؟
❞ وعرفتُ من أحد أصدقائه أنّ الصحيفة التي يعمل بها كانت على ملك أحد الإخوان المتستّرين بقناع القوميّة العربيّة ❝
❞ كان مقهًى شاحبًا بلا روح، يزيده صوتُ أحد الشيوخ المنبعث من الراديو كآبةً في ذاك الصّباح، لم أتحمّس للجلوس فيه، لكنّني لم أشأ أن اعترض ❝
❞ مرّ بي رجلان مُلتحيان، أحدُهما كان يرتدي قميصًا رماديًّا ودشداشةً سوداء، حدّق فيّ بعينين تشتعلان حقدًا، ثمّ قال لصاحبه بصوتٍ حادٍّ وهو يشير إليّ:
- هؤلاء الذين ملؤوا البلاد بِدَعًا، يستحقّون الرّجم والحرق.
أحسستُ كأنّ أسهمًا ناريّةً تخرجُ من عينيه الحمراوين، وتسقطان على صدري، فتُحرقان ملابسي الورقيّة. وقد أجّجت حرارةُ الشمس التي كانت ألسنتُها تتسلّل من ثقوب مظلّتي الورقيّة إحساسي ذاك، حتّى حوّلته إلى ما يشبه الواقع، فشعرتُ وأنا أسرع الخطى نحو بيتي، كأنّ تنّورتي الورقيّة تشتعل. ❝
❞ وفجأةً أبصرتُ شخصًا ملتحيًا يرتدي قميصًا رماديًّا ودشداشةً سوداء يرفع عصا في رأسها نارٌ، ويشقّ نهج الدبّاغين، ثمّ يلمس بها تنّورة مريم، فتشتعل. رأيتها تستغيث، والحاضرون حولها يحاولون إطفاء النّيران بما في أيديهم، وسرعان ما انتقلت النيرانُ إلى الكتب، وإلى الشريط الورقيّ، رأيت الحاضرين يفرّون من النهج ويتركون مريم وبعضهم كان يشتعلُ، أمّا أنا فقد كنت أندفعُ نحوها، نحو النار الّتي تأكل ملابسها الورقيّة، وأحاول إطفاءها بيديّ، ورغم أنّني كنت أشعر بلسعات النار على جسدي، ❝
هذه صورة كاركتيرية هزيلة، تشبه التنميط الغربي الهوليوودي للمتدين.
الفكرة ليست في نفي او اثبات وجود هكذا فئات، الفكرة كل الفكرة الا ينجر النص وراء كليشيهات كهذه، التنميط يتعارض اساسا مع فكرة قبول الاخر و تجاوز المظهر الشكلي في معاملة الاخر و تقبله.
و نقطة اخرى، يظهر فيها التنميط، الغربي المنفتح بمنظماته، و مؤسساته، مقابل العربي الجاهل الحقود الكاره لمجتمعه.
التصوير الحدي في المواقف و الشخصيات، يفقد النص الكثير من الجمال و فنيته، رغم وجود بذرة جميلة ، كان ممكن تعهدها ، بالخروج من نفق التنميط، الى فضاء التعددية و فهم الاخر.
حدثني عما تريد: عن الملحد العربي.. عن المتحرشين و المتحرشات.. عن العابرين و المتحولين الجنسيبن.. عن كل النذالة التي ارتدت ثوب الفضيلة.. صل في معتركك الأدبي كما تريد، فلا أحد يملي على الكاتب ماذا يكتب.. لكن أرجوك: لا تكن كسولا.. امنح شخصياتك روحا بعيدا عن التنميط الساذج.
"استدراك لاحق:
انصافا للحق، الرواية فيها اشتغال فني جميل، من حيث فكرة العمل، رابطة الكتاب الاشباح، والسرد سلس، و يأخذ بيد القارئ ليمضي قدوما مع النص.
القدرة التخيلية و مزج الواقع مع المتخيل أيضا نقطة تحسب للنص.
واختلاق نصوص متخيلة و الاقتباس منها في بداية فصول الرواية التي يكتبها الشبحين ١ و ٢ ، ايضا فكرة جميلة.. ذكرتني برواية ايتاليو كالفينو ( لو أن مسافراً في ليلة شتاء).
والاشارات الى افكار تتعلق بالكتابة و الحرية، و علاقة الكاتب مع نصه و تماهيه او انعتاقه منه ايضا نقاط تستحق الاشادة.
انا لم أفصّل بذكر هذه النقاط و اكتفيت بالاشارة اليها في المنشور بشكل عابر، لاني لم اكن انوي كتابة مقال عن الرواية، وانما مجرد ملاحظة عليها، ولكن حتى لا يكون رايي متحاملا فقد أوردته في تعليق على تعليق احدى الصديقات على المنشور ، ورأيت انه يجب الحاقه بالمنشور ، لان من اشاد بالرواية لابد أن استوقفته هذه النقاط أو غيرها.
وبالطبع الرواية تستحق فرصة للقراءة و مناقشتها، وهناك ملاحظات اخرى على الرواية تحتاج للتوقف عليها و الحديث عنها بتفصل.