مقدمه:
- أن تقرأ رواية تدور أحداثها فى أوائل القرن الماضي فهذا ليس بجديد. أن تحتوى الرواية على مفردات هذا الزمن فهذا أيضاً ليس بغريب. أما أن تقرأ الرواية بحوار هذا الزمن ومصطلحاته الشعبية الدارجة التى اندثر أغلبها ولم تعد مستخدمه فهذا يعني انتقالك إلى الوراء لأكثر من مائة عام وأنك تعيش أجواء الرواية بكل حواسك. الحوار فى الرواية من أكثر نقاطها قوة بدون شك.
- الاحساس بالزمن فى هذه الرواية على أعلى درجة من التميز. شخصياً تفاجأت بهذا القدر الكبير من الروعة والجمال وأنا أقرأ أحداث الرواية. أنا كنت أشعر أنى أعيش هذا الزمن كأننى أحيا فى تلك الفترة الزمنية. هذا إن دل على شىء فهو يدل على موهبة الكاتب الكبيرة. من يستطيع أن يأخذك من عالمك الذى تعيش فيه ويرحل بك إلى زمن أخر بهذه السلاسة والروعة فهو كاتب يستحق كل التقدير.
- هذا ليس كل شىء بالطبع. هناك الشخصيات المرسومة بكل عناية وبتفاصيل دقيقة جداً. أيضاً الحبكة والسرد الأكثر من رائع. الحقيقة هذه الرواية مكتملة الأركان بالنسبة لي. لم استطع ايجاد ثغرة ما أو نقطة سلبية عكرت صفو قرائتى لها.
- باختصار هذه رواية مكتوبة بمزاج عال جداً وباتقان كبير والجهد المبذول فيها واضح ولا يحتاج لأى تعليق.
- لن أسهب بذكر تفاصيل عن الرواية كما هى عادتى حتى يستمتع بها من يريد قرائتها بدون أى كشف ولو بسيط لأحداثها. أما من قرأها مسبقاً فسيفهم ما أردت توصيله من هذه المراجعة.
---------------
لماذا يطارد الانسان أمنيات هو أول من يعلم أنها لن تتحقق ؟ ربما هذا يمنحه أمل ما - حتى لو كان زائفاً - بأنه يستطيع يوماً ما أن يصل لغايته. فى الحقيقة هو يطارد سراب طيلة الوقت. هناك أمنيات وأحلام من الأفضل للانسان أن يتركها ولا يحاول مطاردتها حتى لا يخسر ما يملكه فعلياً ويندم بعد ذلك أشد الندم.
هذا باختصار هو مضمون الرواية. جميع أبطال الرواية يطاردون وهماً وسراباً طيلة الوقت ظناً منهم أن هذا سيعيد الماضي الذى ذهب بلا عودة أو سينقذهم من وضع مزرى يريدون الخلاص منه بأى ثمن أو سيجعل لهم قيمة ما فى المجتمع أو سيكون سبباً فى الحفاظ على أحبائهم واثبات أنهم قادرون على حمايتهم وهم فى الحقيقة يدمرون كل روابط هذا الحب دون أن يدروا.
طيلة الرواية نحن نلهث معهم فى هذه السباق الوهمي الذى يخوضه كل منهم. نصل معهم لخط النهاية ، هل فازوا حقاً وحققوا ما كانوا يسعون خلفه ؟.
الرواية تُوصل رسالة أخرى مهمة جداً. الحرية دائماً وأبداً أثمن من رغيف الخبز. أثمن من الفتات الذى تعيش عليه والذى تحني جبهتك وتدهس كرامتك فى سبيل الحصول عليه. فى لحظة فارقة عندما تختار حريتك وكرامتك ستشعر بأنك انسان حر بكل معنى الكلمة. ستحرر نفسك من قيد الوهم والسراب الذى تطارده طيلة الوقت.
جميع عناصر الرواية من السرد والحوار والحبكة والشخصيات فى قمة الروعة. كل شخصية مكتوبة كأنها حية أمامك بكل ضعفها وقوتها ويأسها ومشاعرها المختلطة.
نهاية الرواية هى الأخرى حدث ولا حرج عن جمالها وملائمتها لسير الأحداث وطبيعة كل شخصية وظروفها.
فى الحقيقة كما ذكرت فى المقدمه لم استطع أن أجد أى شىء سلبي يخص هذه الرواية. استمتعت بكل لحظة قضيتها معها وهذا ما يكفينى ، فلهذا السبب تُكتب الروايات ولهذا السبب أيضاً نقرأها.