اقتباسات من رواية المجموعة أ

نحن ندمن الأشخاص تمامًا كما ندمن المخدرات، نتذكرهم في نفس مواعيد اللقاء التي اعتدناها، وتزوغ عقولنا والأبصار، نتوهم أننا نسمعهم أو نبصرهم، تنتابنا نوبات الضحك الشديد والبكاء الشديد في نفس الوقت، نضع أيدينا فوق أماكن اللمسات والقبلات نتحسسها بشدة، وحين تشتد نوبة الاحتياج ، نهرع إلى ملابسهم نتشمم رائحتهم و نحتضن أشياءهم ، ثم نبكي و ننام.

يمكننا أن نتحمل المرضى النفسيين كجزء من حياتنا اليومية ومحيطنا القريب، بل ونتورط فيهم ونحبهم أيضًا، إلى أن نبدأ في التهاوي… وإلى أن نستشعر نبضات المرض تسري في أرواحنا، هنا يجب التوقف، وليذهب الدعم والمساندة إلى أعمق بؤرة في جحيم

سأجعلك ترين نفسك بعيوني يا سميرة، ترين كيف كنا نعيش أنا وأمك وابنتك خلف زجاج المرآة، التي لا ترين فيها إلا صورتك وحدها كان الزجاج شفافًا ويمكن لعينيك أن تكونا ثاقبتين وتنظرا إلى ما خلف الزجاج، لكنك ترقبين كالصقر وقتما تريدين ، و تتعاملين كالخفافيش وقتما تريدين .

ماذا لو علم إسماعيل أن العضو الجديد أيضًا يكتب مذكراته! هل هي "شوطة" أو "موضة" تسري في جيل بعينه ومارستُها أنا بتلقائية؟ مارسناها كلنا دون اتفاق مسبق، أم هو سلوك دفاعي تفريغي يتبعه كل من يقع تحت ضغط؟ يكتب مشاعره و ما يمر به ، كي يساعده ذلك على تفريغه من العقل ثم النسيان، وربما يريد أيضًا أن يسجله على الأوراق حتى يعود إليها كلما أظلمت الذاكرة، فلا ينسى خيانة الجبناء أبدًا؟ من يريد النسيان يكتب، ومن يريد التذكُّر يكتب! حقيقة ساخرة.

كان الناس في نظري إما طيبون و إما أشرار .ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك هم في الحقيقة خليطٌ بين هذا وذاك، خليط يضعنا في حيرة حقيقية، حين نحكم عليهم أو حين نكوِّن ردود أفعال تجاههم يكون الأمر في أسوأ حالاته، عندما تنتقم من أحدهم -من وجهه الشرير- فيتصدَّر لك في وجهه الطيب المنكسر . و حينئذ إما تتراجع و إما تعيش بتأنيب الضمير ، رغم أنك تأخذ حقًا مسلوبًا ، و لم تتجن من البداية .

"كيف تنظر في عيني امرأة أنت تعرفُ أنك لا تستطيعُ حمايتها؟ كيف تصبحُ فارسها في الغرام؟ كيف ترجو غدًا لوليد ينام؟ كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟ كيف تنظرُ في عيني امرأة أنت تعرفُ أنك لا تستطيع حمايتها ؟كيف تصبح فارسها في الغرام

أشعر وأنا أجلس تحت هذه الأشجار، أنني في حضن جدتي، حضن عتيق مورق مثمر، صامت لكنه يعلم ويفهم ما أتيتُ لأجله. كانت التمشية بين البيوت والأشجار بمنزلة جلسات علاج روحي

إذا كان الله هو من يضع الحب في القلوب، لماذا لا يسحب هذا الحب في الوقت المناسب ويضع مكانه آخر، أو لا يضع!؟ وأين يذهب صاحب الحب المخدوع بقلبه!؟ كيف يحيا به جريحًا هكذا؟ هل الإخلاص مرتبط بأول الحب فقط!؟ في البدء كلهم يُقسمون ويُعاهدون ويُخلِصون، ثم ماذا؟ هل ينسون ذكرياتهم معنا أم يبكونها مثلنا؟ هل يبتسمون حين نعترض مخيلتهم؟ هل يندمون على خيانتنا؟ أكاد أراهم يتلفتون حولهم دومًا، حتى وإن برروا لأنفسهم أنها "فترة وتعدي، تجربة وهتخلص، مشاعر اتكونت غصب عننا وإلخ إلخ". لن تسامحهم ضمائرهم أبدًا وإن نحن سامحناهم!

إنه الحزن، أعرفه جيدًا، يمكنني أن أتشمم رائحته على بعد كيلومترات أراه حين يقف على باب حمامي فلا أدخل للتحمم، ولا أقرب المرآة أراه حين أدخل البيت؛ شخصًا رمادي الوجه كبير الملامح، يجلس على كنبتي ويحمل كتابي و يشرب القهوة في فنجاني ، و إذا رآني يهب واقفًا مبتسمًا و يأتي إلى و يلفني بذراعه « كنت فين يا راجل كل ده ؟ أنا مستني من بدري » . يطفىء الأنوار ، يغلق التليفزيون ، و نجلس معًا نحتسي قهوة سادة تحمل مرارته و مرارتي.

هم ليسوا أفضل منه كثيرًا بحالٍ من الأحوال. إسماعيل أعلن عن قسوته ومارسها على تلك الكائنات الضعيفة، لكن أهل الصعيد يمارسون قسوتهم على بعضهم البعض، وحين يحرقون، يحرقون قلوب آدميين مثلهم. كان إسماعيل واضحًا.

ولقد أدركتُ بحدسي في ذلك اليوم أنه تعلَّم الدرس جيدًا ليس لأنه لن يحرق أو يقتل بعد اليوم، ولكنه تعلَّم ألا يُظهر قسوته أمام أحد، وأن ما كان يمتلك القوة ليفعله نهارًا في أرض فضاء قريبة من بيته، سيفعله بقوة

أنا الفتى المدلل من أبيه والمضطهد من أمه هي تقول إنها تربي رجلًا لا بد أن يعتمد على نفسه، وهي لا تعرف أنه لكي يصير الرجل رجلًا، يجب أن يبني رجولته على نساء يخدمنه، ويقطعن من أنوثتهن ما يُرقِّعن به ثغرات رجولته حتى تكتمل . الأنثى طبيعتها النقص ، بينما الرجل لا يرضيه إلا الكمال و لا يقبل ما هو دونه .